{ ( 92 ) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 93 ) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ، قالوا سمعنا وعصينا ، وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم .قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( 94 ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ( 95 ) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ( 96 ) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ، يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون} .
سبق التذكير باتخاذ العجل في قوله تعالى{ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} ثم أعاده هنا بعبارة وأسلوب آخرين في سياق آخر .أما اختلاف العبارة والأسلوب فظاهر وأما السياق فقد كان أولا في تعداد النعم على بني إسرائيل وبيان ما قابلوها به من الكفران وهو هنا في ذكر الآيات ورد شبهاتهم المانعة بزعمهم من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فهناك يقول إن النعم التي أسبغها الله عليكم لم يكن لها من شكر عندكم إلا اتخاذ عجل تعبدونه من دونه .وهاهنا يقول إن الآيات البينات على النبوة والوحدانية ، لم تزدكم إلا إيغالا في الشرك وإنهما كان في الوثنية ، فكيف تعتذرون عن الإيمان بمحمد بأنكم لا تؤمنون إلا بما أنزل إليكم وهذا شأنكم فيه ومجموع الآيتين ينبئ بفساد قلوب القوم وفساد عقولهم حتى لا مطمع في هداية أكثرهم من جهة الوجدان ، ولا من ناحية العقل والجنان .وهذه البينات التي ذكرها هاهنا قد كانت في مصر قبل الميعاد الذي نزلت فيه التوراة وأما النعم التي ذكرها هناك فقد كانت في أرض الميعاد كما تقدم .ووجه الاتصال بين هذه الآية وما قبلها قد علم مما قلناه في السياق وفيه المقابلة بين معاملتهم لموسى عليه السلام ومعاملتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قالوا:قلوبنا غلف وادعوا أنهم مأمورون بأن لا يؤمنوا إلا بما أنزل عليهم خاصة .وقد علم من هذه الحجج كلها بطلان شبههم وكذبهم في دعواهم وأنه لا عذر لهم في ترك الإيمان .
قال{ ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده} أي من بعد هذا المجيء لا من بعد موسى والمراد أنه لم يكن لهم عذر في ذلك الاتخاذ فإنه بعد بلوغ الدعوة .وقيام الحجة ، ولذلك قال{ وأنتم ظالمون} وأي ظلم أعظم من الشرك بالله تعالى ؟ ولا تغفل عن الإيجاز في قوله
( من بعده ) وحذف مفعول ( اتخذتم ) أي اتخذتموه إلها .