ثم ذكر اعتذارا آخر لهم مقرونا بالرد والإبطال ، وإقامة الحجة عليهم به فقال{ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا} صيغة الدعوة تشعر بوجوب الإيمان بما أنزل الله تعالى لأنه هو الذي أنزله لا لأن المنزل عليه فلان .ولذلك لم يقل:آمنوا بما أنزل على محمد .فإن ما أنزل عليه لو أنزل على غيره لوجب الإيمان به .فإن الوحي هو المقصود بالذات والأنبياء إنما هم مبلغون ، فتقييد الخضوع لوحي الله بكونه لابد أن يكون منزلا على شخص من شعب كذا بعينه تحكم على الله تعالى وقضاء عليه بأن تكون رحمته مقيدة بأهواء فريق من خلقه .فإيراد الدعوة بما ذكر من الإطلاق مع إيراد الجواب{ نؤمن بما أنزل علينا} يشعر بقوة حجة الدعوة ، ووهن ما بني عليه الجواب من الشبهة .ثم صرح بالحقيقة وهي أنهم إنما يدعون هذا الإيمان بألسنتهم{ ويكفرون بما وراءه} من مدلول ولازم لا ينفك عنه كالبشارة برسول من بني إخوتهم أي ولد إسماعيل ، وكون ما تثبت به نبوة محمد بمساواته لما تثبت به نبوة موسى يستلزم وجوب اتباع محمد كما اتبع موسى ، لأن المدلول يتبع دليله في كل زمن وكل موضوع .قال:إنهم يكفرون بما وراء المنزل إليهم{ وهو الحق} أي والحال أنه الحق الثابت في نفسه بالدليل حال كونه{ مصدقا لما معهم} فهو مؤيد عندهم بالعقل والنقل ، وقد كان من مكابرتهم وعنادهم ما كان فلم يبق إلا إلزامهم الحجة بما اقترفوا من فحش المخالفة لما أنزل إليهم والفسوق عنه ليعلم أنهم إنما يتبعون أهواءهم ويحكمون شهواتهم بما أنزل إليهم وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال{ قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} بما أنزل إليكم وليس فيه الأمر بقتل الأنبياء بل فيه النهي الشديد عن قتل أنفسكم .
/خ91