/م89
91- وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا .أي وإذا دعوا إلى الإيمان والتصديق بما أنزل الله على نبيه محمد أنكروا وعارضوا وقالوا مستكبرين: إنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل على أنبيائهم ،زاعمين أنه لا حق إلا عندهم يريدون بذلك أن يتحكموا في وحي الله وفضله .
ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم .أي وهم يكفرون بما سوى التوراة وهو القرآن الذي جاء مصدقا لها ،وهو الحق الذي لا شك فيه ،وكيف يكفرون به وهو مؤيد عنده بالعقل والنقل .ثم إن كفرهم بهذا الكتاب المصدق لما في كتابهم هو كفر بكتابهم نفسه .
قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين .أي قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين إذا دعوتهم إلى الإيمان بك قالوا: نؤمن بما أنزل علينا .قل لهم: إن كنتم حقا مؤمنين بما أنزل عليكم وهو التوراة ،فلأي شيء تقتلون أنبياء الله مع أن التوراة تحرم عليكم قتلهم ،بل هي تأمركم باتباعهم وتصديقهم وطاعتهم .
إن قتلكم لهم أكبر دليل على أنكم لم تؤمنوا ،لا بما أنزل عليكم ولا بغيره ،وأنكم كاذبون في مدعاكم لأن جميع ما أنزل الله من وحي يحرم قتل الأنبياء ويأمر الناس باتباعهم وطاعتهم .
ويرجع معنى الآية إلى نفي فعل الشرط وهو كونهم مؤمنين ،إذ لا وجه لقتلهم الأنبياء إلا عدم إيمانهم بالتوراة ،وهذا كما تريد أن تنفى عن رجل العقل لفعله ما ليس ن شأنه أن يصدر عن عاقل فتقول له: إن كنت عاقلا فلم فعلت كذا ؟أي أنت لست بعاقل .
والفاء في فقوله تعالى: فلم تقتلون .واقعة في جواب شرط محذوف دل عليه ما بعده ،والتقدير إن كنتم مؤمنين بما أنزل عليكم فلم تقتلون أنبياء الله تعالى .وقد نسب القتل إليهم مع أنه فعل أسلافهم ،لبيان وحدة الأمة وتكافلها ،وأنها في الطبائع والأخلاق المشتركة كالشخص والواحد ،فما يصيبها من حسنة أو سيئة ،فإنما مصدره الأخلاق الغالبة عليها فما حدث منهم كان عن أخلاق راسخة في الشعب تبع فيها الآخرون الأولين ،إما بالعمل بها ،وإما بترك الإنكار لها ،( وللإشعار بأن الخلف يمشون على عماية السلف في التعدي والعصيان ،فلقد حاول اليهود المعاصرون للعهد النبوي قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله تعالى عصمه منهم ونجاه من مكرهم ) .
وأضاف سبحانهالأنبياء إليه فقال: أنبياء الله .للتنبيه على شرفهم العظيم ،وللدلالة على فظاعة عصيان اليهود واجتراحهم المنكر ،إذ قابلوا بالقتل من يجب عليهم أن يقابلوهم بالتصديق والتوقير والطاعة .