ويزداد الموقف وضوحاً في ما يكشفه القرآن لنا من ملامح شخصيتهم في هذا الحوار:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ اللّه} ،فهذا كتاب اللّه أمامكم فآمنوا به .{ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا} فنحن أصحاب كتاب سماوي أنزله اللّه علينا ،فلا حاجة لنا بغيره ،لأنه يحقّق لنا الكفاية في ما نحتاجه من أمور الدنيا والآخرة .{ وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ} من الكتب السَّماوية من الإنجيل والقرآن ،{ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ} .وبذلك كان الإيمان بكتابهم مستلزماً للإيمان بالقرآن لأنه يصدق التوراة في تعاليمها .
وهنا تتجلى عملية التعرية في أوضح بيان ؛إنَّ القرآن يتجه إليهم ليقول لهم: هل أنتم جادّون في دعوى الإيمان بما أنزل عليكم من كتاب ؟هل تنطلقون فيها من مواقع الحقّ والإيمان ،أم أنها مجرّد مبرر استعراضي تحاولون من خلاله تبرير كفركم بالقرآن ؟إنكم كاذبون في ذلك ،لأنَّ المؤمن بشيء لا بُدَّ له أن ينسجم مع إيمانه في مجال العمل به من جهة ،وفي مجال التقديس لأنبياء الإيمان من جهةٍ أخرى ،ولكنَّكم سرتم في غير هذا الاتجاه .{ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَآءَ اللّه مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ،وهم الأنبياء الذين جاءوا من بعد موسى ،يحملون رسالته ،ويدعون النّاس إلى العمل بالكتاب ،ويُعتبرون امتداداً طبيعياً له ؟ولم يقتصر الموقف المعاند على هؤلاء الأنبياء ،فماذا عن موقفكم من موسى الذي جاء بالكتاب ؟