{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ} ؛والشراء هنا بمعنى البيع ،كما في قوله تعالى:{ وَمِنَ النّاس مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّه وَاللّه رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[ البقرة:207] ،{ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنزَلَ اللّه بَغْيًا أَن يُنَزِّلُ اللّه مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ}،فهم لم يكفروا لشبهةٍ عرضت لهم أو لعدم وضوح الحقّ لديهم ،بل كان الكفرُ كفرَ عدوان وعناد وحسد ،لأنهم عرفوا من تعاليم الإسلام ومن مواقف النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لا يمنحهم أيّ امتياز يميّزهم عن سائر المسلمين ،فشعروا بأنهم سيتحولون مع هذا الدِّين الجديد إلى أتباع عاديين ،وبذلك يفقدون المواقع التي كانوا فيها والامتيازات التي حصلوا عليها ..
وهنا يقف القرآن ليشجب هذا الموقف ويندّد بهم ،ويقول لهم إنهم باعوا أنفسهم بدون ثمن ،لأنهم لم يحصلوا إلاَّ على البغي والحسد الذي لن يؤدي بالإنسان إلى نتيجة محترمة ،بل يؤدي بهم إلى الشعور القاتل الذي يحوِّل داخل الإنسان إلى عقدة ضاغطة تقضي عليه في نهاية المطاف .وقد أوضح القرآن طبيعة هذا الحسد ،فقد كانوا يحبون أن ينزل القرآن عليهم ليكمّل تاريخ النبوّات لبني إسرائيل ،ليعزز من مكانتهم ويرفع من امتيازاتهم ويقوّي من مواقفهم ...{ فَبَآءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} ؛الغضب الأول ما واجهوه عند تمرّدهم على موسى وعلى الأنبياء من بعده قبل النبيّ محمَّد ( صلى الله عليه وسلم ) ،والغضب الثاني عندما تمرّدوا على النبيّ محمَّد ( صلى الله عليه وسلم ) .{ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}في الآخرة .