قوله تعالى:{بئسما اشتروا به أنفسهم}:"بئس "فعل ماضٍ لإنشاء الذم ؛يقابلها"نِعْم ": فهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح ؛و "بئس "،و "نعْم "اسمان جامدان لا يتصرفان .أي لا يتحولان عن صيغة الماضي ؛و"ما "اسم موصول بمعنى الذي .أي بئس الذي اشتروا به أنفسهم ؛أو إنها نكرة موصوفة ،والتقدير:"بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم "،و{اشتروا} فسرها أكثرهم بمعنى باعوا ؛وهو خلاف المشهور ؛لأن معنى"اشترى الشيء ": اختاره ؛والمختار للشيء لا يكون بائعاً له ؛والصحيح أنها على بابها ؛ووجهه أن هؤلاء الذين اختاروا الكفر كانوا راغبين فيه ،فكانوا مشترين له ..
قوله تعالى:{أن يكفروا}:{أن} هنا مصدرية ؛والفعل بعدها مؤول بمصدر ،والتقدير: كفرُهم ؛وهو المخصوص بالذم ؛وإعرابه مبتدأ مؤخر خبره الجملة قبله ؛{بما أنزل الله}:"ما "هذه اسم موصول بمعنى الذي ؛والمراد به: القرآن ؛لأنه تعالى قال في الأول:{ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم} ؛و{بغياً} مفعول لأجله عامله: قوله تعالى:{يكفروا}؛و"البغي "فسره كثير من العلماء بالحسد ؛والظاهر أنه أخص من الحسد ؛لأنه بمعنى العدوان ؛لأن الباغي هو العادي ،كما قيل: على الباغي تدور الدوائر ؛وقيل: البغي: مرتعُ مبتغيه وخيم ؛فالبغي ليس مجرد الحسد فقط ؛نعَم ،قد يكون ناتجاً عن الحسد ؛والذين فسَّروه بالحسد فسَّروه بسببه ..
قوله تعالى:{أن ينزل الله من فضله}:"الفضل "في اللغة: زيادة العطاء ؛والمراد ب"الفضل "هنا الوحي ،أو القرآن ،كما قاله تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} ( يونس: 58 ) .
قوله تعالى:{على مَن يشاء من عباده}:{مَنْ} اسم موصول ؛والمراد: النبي صلى الله عليه وسلم لأن القرآن في الحقيقة نزل على النبي صلى الله عليه وسلم للناس ،كما قال تعالى:{كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} [ إبراهيم: 1]؛و{يشاء} أي يريد بالإرادة الكونية ؛والمراد ب{عباده} هنا الرسل ..
قوله تعالى:{فباءوا} أي رجعوا ؛{بغضب}: الباء للمصاحبة .يعني رجعوا مصطحبين لغضب من الله سبحانه وتعالى ؛ونكَّره للتعظيم ؛ولهذا قال بعض الناس: إن المراد ب"الغضب ": غضب الله سبحانه وتعالى ،وغيره .حتى المؤمنين من عباده يغضبون من فعل هؤلاء ،وتصرفهم ..
قوله تعالى:{على غضب} .كقوله تعالى:{ظلمات بعضها فوق بعض} [ النور: 40] .يعني غضباً فوق غضب ؛فما هو الغضب الذي باءوا به ؟وما هو الغضب الذي كان قبله ؟
الجواب: الغضب الذي باءوا به أنهم كفروا بما عرفوا ،كما قال تعالى:{فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}؛والغضب السابق أنهم استكبروا عن الحق إذا كان لا تهواه أنفسهم ،كما قال تعالى:{أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} [ البقرة: 87]؛والغضب الثالث: قتلهم الأنبياء ،أو تكذيبهم ؛فهذه ثلاثة أنواع من أسباب الغضب ؛وقد يكون أيضاً هناك أنواع أخرى ..
قوله تعالى:{وللكافرين عذاب مهين}: هذا إظهار في موضع الإضمار فيما يظهر ؛لأن ظاهر السياق أن يكون بلفظ الضمير .أي ولهم عذاب مهين ؛والإظهار في موضع الإضمار له فوائد سبق بيانها قريباً ..
وقوله تعالى:{عذاب} أي عقوبة ؛و{مهين} أي ذو إهانة ،وإذلال ؛ولو لم يكن من إذلالهم .حين يقولون:{ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} [ المؤمنون: 107] .إلا قول الله عزّ وجلّ لهم:{اخسئوا فيها ولا تكلمون} [ المؤمنون: 108] لكفى ..
/خ90