وقوله:{بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده} بئس فعل ذم جامد ،وما اسم موصول في محل رفع فاعل بئس ،وتقديره: بئس الشيء الذي اشتروا به أنفسهم{أن يكفروا} في محل رفع مبتدأ ،وخبره ما تقدم .وقيل:{أن يكفروا} في محل جر بدل من الهاء في{اشتروا به} أما الذي اشتروا به فهو الكفر أو الضلال ،وذلك عوض لما باعوه وهو الحق أو الهداية . والمقصود بذلك اليهود ،فقد وقع التنديد عليهم لنبذهم الحق من وراء ظهورهم واستبدالهم الباطل يتلقفونه تلقفا وهو ( أن يكفروا بما أنزل الله ) والبغي الوارد بعد ذلك معناه الحسد كما قيل وقد جاء منصوبا باعتباره مفعولا لأجله .وسبب الحسد أصلا ما أنزله الله على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من رسالة الإسلام .لقد كان ذلك سببا في إثارة الحسد والحقد في نفوس بني إسرائيل الذين يرتجون أن يكون هذا النبي منهم .
وقوله:{فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين} باؤوا أي رجعوا واستوجبوا ،فقد استحق اليهود بعد هذا الإنكار ،وجزاء ما اقترفوه من جحد .وتفريط غضبا من الله على غضب ،وذلك لفرط زيغهم عن صراط الله وما سجلوه على أنفسهم من مخالفات كبيرة مشينة ،منها عبادة العجل ،وإبدالهم ما أمروا به من قول وهو حطة فبدلوا ذلك سخرية واستخفافا ،ثم قتلهم النبيين بغير حق ومطالبتهم أن يروا الله عيانا وجهرة ،وكذلك إنكارهم نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مع إقرارهم المسبق بصدق نبوته من قبل أن يأتي ،وغير ذلك من المقارفات الكبيرة .من أجل ذلك استحقوا من الله الغضب بعد الغضب ،ثم إن لهم من الله العذاب المهين{[98]} .