{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ( البقرة:89 )بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} ( البقرة:90 )
التفسير:
قوله تعالى:{ولما جاءهم كتاب}: هو القرآن ؛ونكَّره هنا للتعظيم ؛وأكد تعظيمه بقوله تعالى:
{من عند الله} ،وأضافه الله تعالى إليه ؛لأنه كلامه .كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله ..
قوله تعالى:{مصدق لما معهم}: له معنيان: .
الأول: أنه حكم بصدقها ،كما قال في قوله تعالى:{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} [ البقرة: 285]؛فهو يقول عن التوراة: إنه حق ،وعن الإنجيل: إنه حق ؛وعن الزبور: إنه حق ؛فهو يصدقها ،كما لو أخبرك إنسان بخبر ،فقلت:"صدقت "تكون مصدقاً له ..
المعنى الثاني: أنه جاء مطابقاً لما أخبرت الكتب السابقة .التوراة ،والإنجيل ؛فعيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ( قال:{إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [ الصف: 6]؛فجاء هذا الكتاب مصدقاً لهذه البشارة ..
وقوله تعالى:{لما معهم} أي من التوراة ،والإنجيل ؛وهذا واضح أن التوراة أخبرت بالرسول صلى الله عليه وسلم إما باسمه ،أو بوصفه الذي لا ينطبق على غيره ..
قوله تعالى:{وكانوا من قبل} أي من قبل أن يجيئهم{يستفتحون} أي يستنصرون ،ويقولون سيكون لنا الفتح ،والنصر{على الذين كفروا} أي من المشركين الذين هم الأوس ،والخزرج ؛لأنهم كانوا على الكفر ،ولم يكونوا من أهل الكتاب .كما هو معروف ؛فكانوا يقولون: إنه سيبعث نبي ،وسنتبعه ،وسننتصر عليكم ؛لكن لما جاءهم الشيء الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كفروا به ؛{فلعنة الله}: اللعنة: هي الطرد ،والإبعاد عن رحمة الله ؛{على الكافرين} أي حاقة عليهم ؛وهو مظهر في موضع الإضمار ؛إذ كان مقتضى السياق:"فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله عليهم "؛والإظهار في موضع الإضمار له فوائد ؛منها: مراعاة الفواصل كما هنا ؛ومنها الحكم على موضع الضمير بما يقتضيه هذا الوصف ؛ومنها الإشعار بالتعليل ؛ومنها إرادة التعميم ..
/خ90