يقول تعالى:( ولما جاءهم ) يعني اليهود ( كتاب من عند الله ) وهو:القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ( مصدق لما معهم ) يعني:من التوراة ، وقوله:( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) أي:وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم ، يقولون:إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر عن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قال:قالوا:فينا والله وفيهم يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم ، نزلت هذه القصة يعني:( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) قالوا كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية ، ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب ، فكانوا يقولون:إن نبيا من [ الأنبياء] يبعث الآن نتبعه ، قد أظل زمانه ، نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فلما بعث الله رسوله من قريش [ واتبعناه] كفروا به . يقول الله تعالى:( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [ النساء:155] .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله:( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قال:يستظهرون يقولون:نحن نعين محمدا عليهم ، وليسوا كذلك ، يكذبون .
وقال محمد بن إسحاق:أخبرني محمد بن أبي محمد ، أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء بن معرور ، أخو بني سلمة يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا بأنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير:ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم:( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )
وقال العوفي ، عن ابن عباس:( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) يقول:يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه .
وقال أبو العالية:كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون:اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، ورأوا أنه من غيرهم ، كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله:( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )
وقال قتادة:( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قال:كانوا يقولون:إنه سيأتي نبي . ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )
وقال مجاهد:( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) قال:هم اليهود .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمود بن لبيد ، أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ، وكان من أهل بدر قال:كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل قال:فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل . قال سلمة:وأنا يومئذ أحدث من فيهم سنا على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي . فذكر البعث والقيامة والحسنات والميزان والجنة والنار . قال ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون بعثا كائنا بعد الموت ، فقالوا له:ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم ؟ فقال:نعم ، والذي يحلف به ، لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه ، وأن ينجو من تلك النار غدا . قالوا له:ويحك وما آية ذلك ؟ قال:نبي يبعث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده نحو مكة واليمن . قالوا:ومتى نراه ؟ قال:فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا ، فقال:إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة:فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا .
فقلنا:ويلك يا فلان ، ألست بالذي قلت لنا ؟ قال:بلى وليس به . تفرد به أحمد .
وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس ، رضي الله عنهما:أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ، فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا:اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم . قال:فنصروا عليهم . قال:وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم . قال الله تعالى:( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم "كفروا به "فلعنة الله على الكافرين .