وجاء القرآن على لسان النبيّ محمَّد ( صلى الله عليه وسلم ) يحمل في آياته التصديق لما في التوراة من عقيدة ومفهوم وتشريع ،ليكون ذلك حجة عليهم من اللّه ،لأنَّ التوراة لم تكن منتشرة بين النّاس ليتهموه بنقلها وتعلّمها ،بل كانت محتكرة عند اليهود بلغةٍ غير عربية ،وكان اليهود قبل الرسالة{ يَسْتَفْتِحُونَ}أي يطلبون الفتح والنصر على الكافرين الوثنيين المقيمين في المدينة عند اشتداد المشاكل والخلافات فيما بينهم وشعورهم بالضعف أمام قوّة الآخرين ،ويقولون لهم: إننا سنكون في موقف القوّة عند ظهور النبيّ الموعود في هذه البلاد ،فنقتلكم ونهلككم لأنه سيكون معنا فينصرنا عليكم .وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة:{ وَلَمَّا جَآءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّه مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} لأنَّ الرسالة الإسلامية كبقية الرسالات التي سبقتها ،لم تأتِ لتنسف الرسالات المتقدّمة أو تنسخها بل لتكملها ،ولذا جاء الحديث المأثور عن النبيّ محمَّد ( صلى الله عليه وسلم ): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » ،وروي عن عيسى ( عليه السلام ) أنه قال: جئت لأكمل الناموس ..{ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}بالنبيّ وبالرسالة ،{ فَلَمَّا جَآءهُم مَّا عَرَفُواْ} من الرسالة في ما سمعوه من آياتها وعرفوه من شرائعها ،ورأوا الانسجام واضحاً بينها وبين ما لديهم من التوراة ،وأيقنوا الحقّ في موقف النبيّ ودعوته ،{ كَفَرُواْ بِهِ} وجحدوه بغياً وحسداً وعدواناً .{ فَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الْكَافِرِينَ} لأنهم ابتعدوا عن اللّه بعد أن عرفوا طريقه ،فأبعدهم اللّه عنه .