ولما دل على كذبهم في دعوى الإيمان بما فعلوا بعد موسى ،أقام دليلا آخر أقوى مما تقدمه .فإنه لم يعهد إليهم في التوراة ما عهد إليهم في التوحيد والبعد عن الإشراك .وهو النُّسَخ الموجودة بين أظهرهم الآن .وقد نقضوا جميع ذلك باتخاذ العجل في أيام موسى ،وبحضرة هارون عليهما السلام .فقال تعالى:{ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 92} .
{ ولقد جاءكم موسى بالبينات} من الآيات كفلق البحر وإنزال المنّ والسلوى وغير ذلك من الدلائل القاطعات على أنه رسول الله وأنه لا إله إلا الله{ ثم اتخذتم العجل} معبودا من دون الله{ من بعده} أي من بعد ما ذهب موسى عنكم إلى الطور لمناجاة الله عز وجل .كما قال تعالى:{ واتخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا له خوار}{[654]} وقوله تعالى:{ وأنتم ظالمون} أي بعبادته .واضعين لها في غير موضعها .أو بالإخلال بحقوق آيات الله تعالى .أو هو اعتراض .أي وأنتم قوم عادتكم الظلم .