ثم قال تعالى:{لقد كنت في غفلة من هذا}{كنت} الخطاب للإنسان ،وفيهاالتفات ،والالتفات معناه أن ينتقل الإنسان في أسلوبه من خطاب إلى غيبة ،أو من غيبة إلى خطاب ،أو من تكلم إلى غيبة ،وفائدة ذلك الالتفات أنه يشد ذهن السامع ،فبينما الكلام على نسق واحد ،إذا به يختلف ،انظر إلى قوله تعالى:{ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرءيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً} ولم يقل وبعث ،وانظر إلى الفاتحة نقرأها كل يوم في كل ركعة من صلواتنا{الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد} ولم يقل ( نعبده ) فالالتفات أسلوب من أساليب اللغة العربية ،وفائدته شدُّ ذهن السامع لما يلقى إليه من الكلام{لقد كنت في غفلة من هذا}{لقد كنت} هذه الجملة ،يقول العلماء: إنها مؤكدة بثلاثة مؤكدات ،الأول: القسم ،والثاني: اللام ،والثالث: قد ،والتقدير ( والله لقد كنت في غفلة من هذا ) . فإن قيل: أليس خبر الله تعالى حقًّا وصدقاً .سواءٌ أكد أم لم يؤكد ؟
قلنا: بلى ،ولا شك ،ولكن مادام القرآن نزل باللسان العربي ،فإنه لابد أن يكون التأكيد في موضعه ،وعدم التأكيد في موضعه ،لأن المقصود أن يكون هذا القرآن في أعلى مراتب البلاغة{لقد كنت} أي: أيها الإنسان{في غفلة من هذا} أي كنت غافلاً عن هذا اليوم ساهٍ في الدنيا ،كأنك خلقت لها{فكشفنا عنك غطاءك} يعني هذا اليوم كشف الغطاء ،وبان الخفي ،واتضح كل شيء{فبصرك اليوم حديد} أي قوي بعد أن كان في الدنيا أعشى أعمى ،غافل ،لكن يوم القيامة{يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا}