وقوله ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) يقول تعالى ذكره:يقال له:لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان من الأهوال والشدائد ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) يقول:فجلينا ذلك لك, وأظهرناه لعينيك, حتى رأيته وعاينته, فزالت الغفلة عنك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وإن اختلفوا في المقول ذلك له, فقال بعضهم:المقول ذلك له الكافر.
وقال آخرون:هو نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وقال آخرون:هو جميع الخلق من الجنّ والإنس.
ذكر من قال:هو الكافر:
حدثني علي, قال:ثنا أبو صالح, قال:ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) وذلك الكافر.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) قال:للكافر يوم القيامة.
حدثنا ابن حُمَيد, قال:ثنا مهران, عن سفيان ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) قال:في الكافر.
* ذكر من قال:هو نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) قال:هذا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , قال:لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا محمد, كنت مع القوم في جاهليتهم.( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ).
وعلى هذا التأويل الذي قاله ابن زيد يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من الله لرسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه كان فى غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به, فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية, فنفذ بصره بالإيمان وتبيَّنه حتى تقرّر ذلك عنده, فصار حادّ البصر به.
* ذكر من قال:هو جميع الخلق من الجنّ والإنس:
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ, قال:سألت عن ذلك الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس, فقال:يريد به البرّ والفاجر,( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) قال:وكُشِف الغطاء عن البرّ والفاجر, فرأى كلّ ما يصير إليه.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي , عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) قال:الحياة بعد الموت.
حدثنا بشر قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) قال:عاين الآخرة.
وقوله ( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) يقول:فأنت اليوم نافذ البصر, عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة, وهو من قولهم:فلان بصير بهذا الأمر:إذا كان ذا علم به, وله بهذا الأمر بصر:أي علم.
وقد رُوي عن الضحاك إنه قال:معنى ذلك ( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) لسان الميزان, وأحسبه أراد بذلك أن معرفته وعلمه بما أسلف في الدنيا شاهد عدل عليه, فشبَّه بصره بذلك بلسان الميزان الذي يعدل به الحقّ في الوزن, ويعرف مبلغه الواجب لأهله عما زاد على ذلك أو نقص, فكذلك علم من وافي القيامة بما اكتسب في الدنيا شاهد عليه كلسان الميزان.