{والبحر المسجور} كلمة البحر قيل: إن المراد به البحر الذي عليه عرش الرحمن - عز وجل - كما قال تعالى ،{وكان عرشه على الماء} ،وقيل: المراد به البحر الذي في الأرض لأنه المشاهد المعلوم الذي فيه من آيات الله ما يبهر العقول ،والصحيح أن المراد به بحر الأرض ،لأن ( ال ) في البحر للعهد الذهني ،يعني البحر المعهود الذي تعرفونه ،فأقسم الله به لما فيه من آيات الله العظيمة من أسماك وأمواج وغير هذا مما نعلمه وما لا نعلمه ،ومن أعظم ما فيه من آيات الله ما أشار إليه تعالى في قوله:{المسجور} يعني الممنوع ،ومنه سجرت الكلب يعني ربطته حتى لا يهرب ،فالبحر ممنوع بقدرة الله عز وجل ،إننا نعلم جميعاً أن الأرض كروية ،وهذا البحر لو نظرنا إليه بمقتضى الطبيعة لكان يفيض على الأرض ،لأنه لا جدران تمنع ،والأرض كروية مثل الكرة فلو نظرنا إلى هذا البحر بمقتضى الطبيعة ،لقلنا: لابد أن يفيض على الأرض فيغرقها ،ولكن الله تبارك وتعالى أمسكه بقدرته سبحانه وتعالى ،فهو مسجور ،أي: ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها ،وهذه آية من آيات الله ،فلو صب فوق الكرة ماء ،لذهب يغمرها يميناً وشمالاً ،لكن هذا البحر لا يمكن أن يفيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى ،وانظر إلى الحكمة تأتي أيام المد والجزر ،نفس البحر يمتد امتداداً عظيماً لعدة أمتار وربما أميال ،ثم ينحسر ،مَن الذي مده ؟ولو شاء لبقي ممتداً حتى يغرق الأرض ،ومن الذي رده ؟هو الله ،ولهذا كان هذا البحر جديراً بأن يقسم الله به ،وفي البحر آيات عظيمة ،يقال: إنه ما من شيء على البر من حيوان وأشجار إلا وله نظير في البحر بل أزيد ،لأن البحر بالنسبة لليابس يمثل أكثر من سبعين في المائة ،وفيه أشياء لا نرى لها نظيراً في البر ،وهذا من آيات الله عز وجل ،وأعظم آية في البحر هو أنه مسجور ،أي ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها .
وقيل: المراد بالمسجور الذي سيسجر ،أي: يوقد كما قال الله تعالى:{وإذا البحار سجرت} .أي: أوقدت .وهذا يكون يوم القيامة ،هذا الماء الذي نشاهده الآن والذي لو سقطت فيه جمرة ،أو مر على جمرة لأطفأها ،يوم القيامة يكون ناراً يسجر ،وهذا من آيات الله - عز وجل - والمراد به المعنيان جميعاً ؛لأنه لا منافاة بين هذا وهذا ،فكلاهما من آيات الله - عز وجل - أي سواء قلنا المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض ،أو المسجور الذي سيسجر أي يوقد ،فكل ذلك من آيات الله ،