( والبحر المسجور ) .
«للمسجور »: في اللغة معنيان: الأوّل الملتهب ،والثّاني المملوء .ويقول الراغب في مفرداته: سجر على وزن فجر معناه إشعال النار ،ويعتقد أنّ الآية تعطي هذا المعنى ..ولم يتحدّث عن المعنى الثاني ،إلاّ أنّ العلاّمة الطبرسي يذكر أنّ المعنى الأوّل هو ما تقدّم ،وكذلك تشير بعض كتب اللغة إلى ذلك .
والآيات الأخر في القرآن تؤيّد المعنى الأوّل أيضاً كما هي الحال في الآيتين ( 71 ) و72 ) إذ قال سبحانه: ( يسحبون في الحميم ،ثمّ في النار يسجرون ) .
ونقرأ في نهج البلاغة عن «أمير المؤمنين » في شأن «الحديدة المحماة » إذ يقول لأخيه «عقيل »: «أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه ..»{[4741]} .
ولكن أين هو هذا «البحر المسجور » ؟قال بعضهم هو البحر المحيط بالأرض «أو البحار المحيطة بها » وسيلتهب قبل يوم القيامة ،ثمّ ينفجر كما نقرأ ذلك في الآية ( 6 ) من سورة التكوير ( وإذا البحار سُجّرت ) ونقرأ في الآية ( 3 ) من سورة الانفطار ( وإذا البحار فجّرت ) .
إلاّ أنّ بعضهم فسّر ذلك بالبحر الذي في باطن الأرض وهو مؤلّف من مواد منصهرة مذابة ،وما ورد في حديث عن الإمام الباقر الذي نقله «العياشي » شاهد على هذا المعنى ،وقد ورد في هذا الحديث أنّ قارون يعذّب في البحر المسجور{[4742]} مع أنّ القرآن يقول في شأنه: ( فخسفنا به وبداره الأرض ){[4743]} .
وهذان التّفسيران لا يتنافيان ،ويمكن أن تكون الآية قَسَماً بهما معاً ،إذ كلاهما من آيات الله ومن عجائب هذا العالم الكبرى .
وممّا يلفت النظر أنّ المفسّرين لم يتناولوا بالبحث علاقة هذه الأقسام الخمسة فيما بينها ،إلاّ أنّ الظاهر أنّ الأقسام الثلاثة الأول بينها ارتباط وعلاقة ،لأنّها جميعاً تتحدّث عن الوحي وخصوصياته ،فالطور محلّ نزول الوحي ،والكتاب المسطور إشارة إلى الكتاب السماوي أيضاً ،سواءً كان التوراة أو القرآن ،والبيت المعمور هو محلّ ذهاب وإيّاب الملائكة ورُسِل وحي الله .
أمّا القَسَمان الآخران فيتحدّثان عن الآيات التكوينية «في مقابل الأقسام الثلاثة التي كانت تتحدّث عن الآيات التشريعيّة » .
وهذان القَسَمان واحد منهما يشير إلى أهمّ دلائل التوحيد وعلائمه وهو «السماء » بعظمتها ،والآخر يشير واحد من علائم المعاد المهمّة ودلائله ،وهو الواقع بين يدي القيامة !.
فبناءً على هذا فإنّ التوحيد والنبوّة والمعاد جمعت في هذه الأقسام [ أو الأيمان] الخمسة .
وبعض المفسّرين يرون أنّ هذه الآيات جميعها تشير إلى موسى وسيرة تأريخه وحياته ،وذكروا ارتباط الآيات على النحو التالي:
الطور ..هو الجبل الذي نزل الوحي على موسى عنده .
والكتاب المسطور: هو التوراة .
والبيت المعمور: مركز مجيء وإيّاب الملائكة ويحتمل أن يكون بيت المقدس .
والسقف المرفوع هو ما ذكر في قصّة بني إسرائيل ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة ){[4744]} .
والبحر المسجور هو البحر الملتهب الذي عوقب قارون به لأنّه خالف موسى فهوى فيه .
إلاّ أنّ هذا التّفسير يبدو بعيداً ،ولا ينسجم مع الرّوايات المنقولة في المصادر الإسلامية ،وكما قلنا فإنّ السقف المرفوع بشهادة آيات القرآن الأخر والرّوايات المذكورة فيه هو السماء .