ثم قال - عز وجل -:{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} أي: أذكر للأمة يوم ترى أيها الإنسان{المؤمنين والمؤمنات} يوم القيامة{يسعى نورهم بين أيديهم} أي: أمامهم{وبأيمانهم} يكون من الأمام ومن اليمين ،أما من الأمام فلأجل أن يقتدي الإنسان به ،وأما عن اليمين فتكريماً لليمين يكون بين أيديهم وبأيمانهم ،وقوله:{يسعى نورهم} يفيد أن هذا النور على حسب الإيمان ،لأن الحكم إذا علق بوصف كان قويًّا بقوة ذلك الوصف ،وضعيفاً بضعفه ،إذن نورهم على حسب إيمانهم الذكر والأنثى .
{بشراكم اليوم جنات} تقول الملائكة لهم{بشراكم} أي: ما تبشرون به{اليوم} يعني يوم القيامة{جنات تجرى من تحتها الأنهار} هذه الجنات فيها ما لا عين رأت ،ولا أذن سمعت ،ولا خطر على قلب بشر ،فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ،فيها ما يشاءون ،كما قال الله عز وجل:{لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} وجمعها لأنها جنات متعددة متنوعة ،ودرجات مختلفة حسب قوة الإيمان والعمل وقوله{تجرى من تحتها الأنهار} أي: تسير ،وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة القتال أنها أربعة{أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} وهذه الأنهار لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى جدول ،بل تسير على سطح الأرض ،حيث شاء أهلها ،قال ابن القيم - رحمه الله -:
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
فلا تذهب يميناً ولا شمالاً إلا حيث أراد أهلها ،وقوله{من تحتها} إشارة إلى علو قصورها وأشجارها ،يعني تكون هذه الأنهار من تحت هذه القصور العالية والأشجار الرفيعة{خالدين فيها} أي: ماكثين فيها ،وقد جاءت آيات متعددة بأن هذا المكث دائم ليس فيه زوال ولا انقطاع ولا تغير ،{ذلك هو الفوز العظيم} المشار إليه ما وعدهم الله به الجنات التي تجري من تحتها الأنهار هو الفوز العظيم ،و{هو} يسميها العلماء ضمير فصل ،وهو مفيد للتوكيد والاختصاص ،أي هذا الذي ذكر هو الفوز العظيم ،لأنه لا فوز مثله ،كما أنه لا فوز أعظم منه ،نسأل الله أن يجعلنا من أهله إنه على كل شيء قدير .