{ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتينه الإنجيل} قفينا بمعنى اتبعنا ،مأخوذ من القفا ،لأن من يمشى من قفاك هو تابع لك{على آثارهم} أي: آثار نوح وإبراهيم ومن كان من الرسل الآخرين عليهم الصلاة والسلام{برسلنا} أي: التابعين لهم ،{وقفينا بعيسى ابن مريم} نص على عيسى عليه السلام لأنه ليس بينه وبين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسول ،بل ولا نبي أيضاً ،ليس بينه رسول ولا نبي ،وما يقال: إن خالد بن معادن وغيره له النبوة فكله كذب ،{وءاتينه الإنجيل} هو كتاب أنزله الله - عز وجل - على عيسى ،ويعتبر مكملاً للتوراة ،لأن التوراة هي أم الكتب في بني إسرائيل ،{وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيةً ابتدعوها} ،ثلاثة أشياء جعلها الله في قلوب النصارى الذين اتبعوا عيسى{رأفةً} الرأفة نوع من الرحمة ولكنها أرق وألطف{ورحمةً} فهم من أرق الناس قلوباً ،وأرحمهم بالخلق لما كانوا على شريعة عيسى عليه السلام ،ولكن بعد أن كفروا بمحمد صاروا أغلظ الناس ،أو من أغلظ الناس ،كما جرى بين المسلمين وبين النصارى في الحروب الصليبية وغيرها{ورهبانيةً} الانقطاع عن الدنيا للعبادة ،{ابتدعوها} يعني من عند أنفسهم ،كما فعلت بعض فرق المسلمين ،ابتدعوا رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان ،لكن معهم رقة ورحمة{ما كتبنها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله} يعني أنا لم نفرضها عليهم ،ولكن هم طلبوا رضوان الله ،ولهذا نقول:{إلا ابتغاء رضوان الله} استثناء منقطع ،ولكن مع كونهم ابتدعوها واختاروا بأنفسهم{فما رعوها حق رعايتها} يعني ما قاموا برعايتها الواجبة من إحسان هذه الرهبانية التي ابتدعوها ،وإنما تصرفوا فيها كما يشاؤون ،{فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} أي: ثوابهم{وكثير منهم فاسقون} أي: كثير من هؤلاء النصارى فاسق ،أي: خارج عن طاعة الله - عز وجل - ،وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا ابتدع بدعة فإنه لا يوفق لإقامتها ،فيكون ضالاًّ في الأصل ،وضالاًّ في الفرع ،حتى لو اجتهد ،حتى لو خشع ،إنك تجد كثيراً من الناس الذين ابتدعوا أذكاراً ،أو صلوات ،أو أدعية ،أو ما أشبه ذلك تجدهم خاشعين ،قلوبهم باكية ،قلوبهم خاشعة لكن لا ينفعهم ذلك ،لأنهم على ضلال ،نسأل الله السلامة والعافية .