{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم} يا أيها الذين آمنوا ،المراد بهم هذه الأمة ،فيكون قوله:{اتقوا الله وآمنوا برسوله} يعني اثبتوا على الإيمان ،ولا تبدلوا الإيمان ،لأن الإيمان قد حصل ،حيث قال{يا أيها الذين آمنوا} ،فيكون المعنى{يا أيها الذين آمنوا} بقلوبكم{اتقوا الله} بجوارحكم{وآمنوا برسوله} أي: حققوا الإيمان واثبتوا عليه ،وليس كل من آمن يكون مؤمناً حقًّا ،وهذا هو ما يعنيه العلماء بقولهم ،هذا نفي كمال الإيمان مثل قوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه »،ليس المراد نفي مطلق الإيمان ،بل نفي الإيمان المطلق الكامل ،وقد زعم بعض المفسرين أن هذه الآية في أهل الكتاب ،لأنه قال:{وآمنوا برسوله} ،ولكن هذا قول ضعيف جدًّا ،ولا يمكن أن ينادي الله - عز وجل - أهل الكتاب وهم كفرة بوصف الإيمان أبداً ،لا يمكن أن يكون المراد بقوله:{يا أيها الذين آمنوا} يا أيها اليهود والنصارى ،لأنهم حين نزول القرآن إذا بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم ليسوا بمؤمنين ،والمراد برسوله هنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل ،كما قال - عز وجل -:{آمن الرسول بمآ أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} يعني في الإيمان به ،لا في الاتباع ،ففي الاتباع نفرق بين الرسل ،فتبع منهم محمداً صلى الله عليه وسلم ،لكن الإيمان كلهم على حد سواء ،نؤمن بأنهم رسل الله حقًّا ،{يؤتكم كفلين من رحمته} أي: نصيبين من رحمة الله ،ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،هذه الأمة بالنسبة لما قبلها كرجل استأجر أجراء ،منهم طائفة من أول النهار إلى نصف النهار ،وطائفة من نصف النهار إلى العصر ،وطائفة من العصر إلى غروب الشمس ،فالطائفة الأولى أعطى كل واحد منهم ديناراً ،والطائفة الثانية أعطى كل واحد ديناراً ،والثالثة أعطى كل واحد دينارين فاحتج الأولون: لماذا تعطي هؤلاء دينارين ،وهم أقل منا عملاً ؟فأجابهم بقوله: «هل نقصتكم من أجركم شيئاً » ؟قالوا: لا ،قال: «ذلك فضلي أوتيه من أشاء »،فالحمد لله هذه الأمة لها مثل أجر الأمم السابقة مرتين ،{ويجعل لكم نوراً تمشون به} ،أي: أنكم إذا آمنتم وحققتم الإيمان مع التقوى يثبكم ثوابين{ويجعل لكم نوراً تمشون به} أي: علماً تسيرون به إلى الله - عز وجل - على بصيرة ،وفي هذا دليل على أن التقوى من أسباب حصول العلم ،وما أكثر الذين ينشدون العلم ،وينشدون الحفظ ،ويطلبون الفهم ،فنقول: إن تحصيله يسير ،وذلك بتقوى الله - عز وجل - وتحقيق الإيمان ،الذي هو موجب العلم ،فاعمل بما علمت يحصل لك علم ما لم تعلم ،فتقوى الله - عز وجل - من أسباب زيادة العلم ولا شك ،ولهذا قال{ويجعل لكم نوراً تمشون به} أي: تسيرون به ،أي: بسببه سيراً صحيحاً يوصلكم إلى الله - عز وجل -{ويغفر لكم} أي: يسترها عليكم ،ويعفو عنكم ،فلا عقاب ولا فضيحة{والله غفور رحيم} أي: ذو مغفرة ورحمة ،كما قال الله - عز وجل -:{وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} وقال - عز وجل -:{وربك الغفور ذو الرحمة} فالغفور يعني ذا المغفرة ،والرحيم يعني ذي الرحمة ،وذلك أن الإنسان محتاج إلى مغفرة ذنوب وقعت منه ،وإلى رحمة تسدده ويتجنب بها المعاصي ،ويهتدي إلى التوبة إن عصى ،