قد تقدم في رواية النسائي ، عن ابن عباس:أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب ، وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في القصص وكما في حديث الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران ، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ". أخرجاه في الصحيحين
ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك ، وعتبة بن أبي حكيم ، وغيرهما ، وهو اختيار ابن جرير .
وقال سعيد بن جبير:لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله هذه الآية في حق هذه الأمة:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أي:ضعفين ، وزادهم:( ويجعل لكم نورا تمشون به ) يعني:هدى يتبصر به من العمى والجهالة ، ويغفر لكم . فضلهم بالنور والمغفرة . ورواه ابن جرير عنه .
وهذه الآية كقوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) [ الأنفال:29] .
وقال سعيد بن عبد العزيز:سأل عمر بن الخطاب حبرا من أحبار يهود:كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة ؟ قال:كفل ثلاثمائة وخمسون حسنة . قال:فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين . [ ثم] ذكر سعيد قول الله ، عز وجل:( يؤتكم كفلين من رحمته ) قال سعيد:والكفلان في الجمعة مثل ذلك . رواه ابن جرير
ومما يؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال:من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت اليهود . ثم قال:من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت النصارى . ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذي عملتم . فغضبت النصارى ، واليهود ، وقالوا:نحن أكثر عملا وأقل عطاء . قال:هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا:لا . قال:فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء "
قال أحمد:وحدثناه مؤمل ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، نحو حديث نافع ، عنه
انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عن سليمان بن حرب ، عن حماد ، [ عن أيوب ،] عن نافع به . ، وعن قتيبة ، عن الليث ، عن نافع ، بمثله
وقال البخاري:حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"مثل المسلمين ، واليهود ، والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا:لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل . فقال لهم:لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا ، واستأجر آخرين بعدهم فقال:أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا:ما عملنا باطل ، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه . فقال أكملوا بقية عملكم ; فإن ما بقي من النهار شيء يسير . فأبوا ، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور "انفرد به البخاري