{هو الأَول والأَخر والظاهر والباطن} أربعة أشياء{الأَول} أي الذي ليس قبله شيء ،لأنه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقاً ،وهو عز وجل الخلق ،ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم{الأَول} الذي ليس قبله شيء،فكل الموجودات بعد الله فليس معه أحد ولا قبله{والأَخر} الذي ليس بعده شيء ،لأنه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله ،والمخلوقات كلها مخلوقة لله عز وجل ،فهو الأول لا ابتداء له ،والآخر لا انتهاء له ،ليس بعده شيء{والظاهر} ،قال النبي صلى الله عليه وسلم: تفسيرها: «الذي ليس فوقه شيء » فكل المخلوقات تحته جل وعلا ،فليس فوقه شيء{والباطن} قال النبي صلى الله عليه وسلم «الذي ليس دونه شيء »أي: لا يحول دونه شيء ،خبير عليم بكل شي ،لا يحول دونه جبال ،ولا أشجار ،ولا جدران ولا غير ذلك ،ليس دونه شيء ،{الأَول والأَخر} اشتملا على عموم الزمان ،{والظاهر والباطن} على عموم المكان .
{وهو بكل شيء عليم} ،كل شيء فالله عليم به ،{إن الله لا يخفى عليه شيء في الأَرض ولا في السماء} فلو عمل الإنسان في جوف بيته في حجرة مظلمة فإن الله تعالى يعلم عمله ،بل زد على ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسك كما قال الله - عز وجل -:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} .وأنت إذا فكرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون ،ويعلم الماضي البعيد ،ويعلم المستقبل البعيد ويعلم بكل شيء ،ولهذا قال موسى - عليه الصلاة والسلام - لما سأله فرعون:{فما بال القرون الأُولى} يعني شأنها قصها علينا{قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} لا يضل معناه لا يجهل ،لأن الضلال معناه الجهل ،كما قال الله - عز وجل - في نبيه:{ووجدك ضآلا فهدى} ضال ليس معناها فاسق ،بل معناه أنه جاهل لا يدري كما قال تعالى:{وكذلك أوحينآ إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} وقال تعالى:{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون} إذن الله بكل شيء عليم ،وإذا علمت أن الله بكل شيء عليم هل يمكنك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن الناس ؟لا ،لأنك تعلم أن الله يعلمك ،قال الله - عز وجل -:{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} الجواب: بلى ،{ورسلنا لديهم يكتبون} ،فإذن إذا آمنت بأن الله - جل وعلا - عليم بكل شيء فإنه يستلزم أن لا تقوم بمعصيته ولو في الخفاء ،وأن لا تترك طاعته ولو في الخفاء ،ولقد قال الله - عز وجل - عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال:{وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم} لأجل أن لا يسمعوا ،{واستغشوا ثيابهم} لئلا يبصروا بها - والعياذ بالله - لأنهم يكرهون الحق وقوله:{وهو بكل شيء عليم} يشمل أفعال العباد وأقوال العباد ،بل إنه يعلم سبحانه وتعالى ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره ،كما قال تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد} فإياك أن تضمر في قلبك شيئاً يحاسبك الله عليه ،لكن الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها ،ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضره شيئاً ،بل هي دليل على إيمانه لأن الشيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي عليه الوساوس إذا كان قلباً سليماً ،أما إذا كان قلباً غير سليم فإن الشيطان لا يوسوس له ،لأنه قد انتهى .