{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخر} فإنّ كل الموجودات مخلوقةٌ له ،فلا يسبقه شيء منها في الوجود ،وكل الوجود خاضعٌ له ،متحركٌ بتدبيره ،فلا يتصور بقاؤه من بعده ،في الفرضية المحالية للبعدية ،فلا بد من أن يكون هو الآخر بعد كل شيءٍ ،{وَالظَّاهِرُ} لأنه الذي يمنح الأشياء كل ما يمنحها الظهور ،فكيف يمكن أن يكون هناك شيء أظهر منه{وَالْبَاطِنُ} الذي يسيطر على عمق الأشياء في كل عناصرها الداخلية الخفية ،وليس هناك ما ينفذ إلى مواقع السر العظيم في ذاته وفي صفاته وأفعاله .
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فلا يخفى عليه شيء من خلقه مهما كان دقيقاً أو خفياً ،لأنه هو الذي ركب في كل شيء سره ،وأعطى كلّ موجود خلقه ،وبثّ في كل مواقع الوجود خفايا عناصرها ،فكيف يجهل ما فيها من خفايا وأسرار ؟!
الله المطلق في كلّ شيء
وإذا كانت الكلمات القرآنية تتحدث عن صفات الله في أوليته وآخريته وظهوره وبطونه ،فإن الحديث لا ينطلق من مواقع الزمان والمكان ،ولا من حدود الأشياء التي تجعل للأول حداً وللآخر حداً ،وللظهور والبطون مواقع في طبيعة الأشياء ،فإن الله هو المطلق في كل شيء يتّصف به ،بينما تعيش المخلوقات الأخرى ،من حيّةٍ وناميةٍ وجامدةٍ ،حدودها الخاضعة للفواصل في حدود الزمان والمكان .