{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} بين الله تعالى في هذه الآية بياناً مؤكداً ب( إن ){إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم} أي في النار التي تسمى جهنم ،وسميت جهنم ،لبعد قعرها وسوادها ،فهو مأخوذ من الجهمة ،وقيل: إنه اسم أعجمي عربته العرب .وأيًّا كان فإنه أعني لفظ{جهنم} اسم من أسماء النار ،وقوله:{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين}{من} هنا بيان للإبهام ،أعني إبهام الاسم الموصول في قوله:{إن الذين كفروا} وعلى هذا فيقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم ( اليهود والنصارى ) ،والأمر كذلك ،فإن اليهود والنصارى كفار حين لم يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وإن قالوا: إنهم مؤمنون بالله واليوم الآخر ،ويدعون لموتاهم بالرحمة وما أشبه ذلك من العبارات التي يتزلفون بها ،فإنهم كاذبون ،إذ لو كانوا يؤمنون بالله واليوم الأخر لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم ،بل لآمنوا برسلهم ،لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قد وجد وصفه في التوراة والإنجيل كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [ الأعراف: 157] .بل إن عيسى صلى الله عليه وسلّم قال لبني إسرائيل{يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [ الصف: 6] .فلما جاء هذا الرسول الذي بشر به عيسى بالبينات ،قالوا: هذا سحر مبين ،وكذبوه ولم يتبعوه إلا نفراً قليلاً من اليهود والنصارى ،فقد آمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتبعوه .{أولئك هم شر البرية} أي شر الخليقة ؛لأن البرية هي الخليقة ،وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من ( اليهود والنصارى والمشركين ) شر البرية ( شر الخلائق ،وقد بين الله ذلك تماماً في قوله:{إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} [ الأنفال: 55] .وقال تعالى:{إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ،ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} [ الأنفال: 22] .فهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل ،وإذا كانوا هم شر البرية فلن نتوقع منهم إلا كل شر ،لأن الشرير ينبثق منه الشر ،ولا يمكن أبداً أن نحسن الظن بهم ،قد نثق بالصادقين منهم كما وثق النبي صلى الله عليه وسلّم بالمشرك ،عبدالله بن أريقط ،حين استأجره ليدله على طريق الهجرة ،لكن غالبهم وجمهورهم لا يوثق منهم ،لأنهم شر .