الغل: الأخذ خِفية كالسرقة ،يقال غلّ فلان الغنيمة يغُل غلولاً ،وأغل إغلالا ،خان فيها ،وأخذ شيئا منها خفية .
تُوفّى: تعطى .
روي أن هذه الآية نزلت يوم أحد عندما ترك الرماة موقعهم على الجبل طلباً للغنيمة ،إذ قالوا: نخشى أن يقول النبي: مَن أخذ شيئاً فهو له ،وأن لا يقسم الغنائم كما قسمها يوم بدر .فقال لهم الرسول: ألم أعهد إليكم ألا تتركوا موضعكم حتى يأتيكم أمري ؟فأجابوا: تركنا بقية إخواننا وقوفا .فقال لهم: بل ظننتم أنا نغلّ ولا نقسم .
وكان بعض المنافقين قد أشاعوا أن الغنائم يوم بدر قد اختفت ،واتهموا الرسول الكريم أنه أخفاها .فكذّبهم الله .والمعنى هنا: لا يجوز لنبي أن يخون في الغنائم ،لأن النبوة أساسها الأمانة .وفي هذا نفي الخيانة عن جميع الأنبياء .لقد عصمهم الله من الغلول والخيانة ،لأن النبوة أعلى المناصب الإنسانية ،فصاحبُها معصوم عن كل ما فيه دناءة وخسة .أما الناس فقد يقع منهم ذلك ،فمن فعله أتى بما غل به يوم القيامة ،ليفتضَح فيه أمره ويزيد به عذابه .
{ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يومذاك تعطى كل نفس جزاء ما عملت وافيا تاما ،لا تلقى ظلماً بنقصان في الثواب أو زيادة في العقاب .
روى عبد الله بن أحمد عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والغُلول ،فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة ،أَدُّوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك ،وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد ،في الحضر والسفر ،فإن الجهاد باب من أبواب الجنة .إنه لَينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم .وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ،ولا تأخذْكم في الله لومةُ لائم .
وهناك أحاديث كثرة في هذا الموضوع .
وقد علمتْ هذه الآية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية السلف الصالح من المسلمين حتى أتوا بالعجب العجاب:
حُملت الغنائم إلى عمر بن الخطاب بعد القادسية ،وفيها تاج كسرى وإيوانه لا يقوَّمان بثمن ،فنظرَ رضي الله عنه إلى ما أدَّاه الجندُ في غبطة وقال: «إن قوماً أدوا هذا لأمِيرهم لأمناء » .
قراءات:
قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: «أن يُغَل » على البناء للمفعول ،والمعنى على هذه القراءة ما صح لنبي أن ينسب إلى الغلول أو يخونه أحد ،أما عند قراءاتها «يغُل » بفتح الياء وضم الغين فالمعنى المقصود أن يخون في الغنائم .