فلا أقسِم: معناها ،فأُقسِم .
بما تبصرون: بما تشاهدون من المخلوقات وما في هذا الكون العجيب .
بعد هذه الجولةِ مع الجاحدين وما ينتظرُهم من عذاب في ذلك اليوم الشديد الهول ،يعود الكتابُ ليؤكّد أن ما يتلوه الرسولُ الكريم هو القرآنُ الكريم من عندِ ربّ العالمين ،وأن الأمر لا يحتاج إلى قَسَم أنه حقٌ ،صادرٌ عن الحق ،وأنه ليس شعرَ شاعرٍ ،ولا كهانةَ كاهنٍ ،ولا افتراءَ مفترٍ ،فما هو بحاجة إلى توكيدِ يمين .
{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} .
تكرر هذا التعبيرُ{لاَ أُقْسِمُ} في القرآن الكريم ،وهو يمين عظيم .وهو كما يقول المتأكد من أمرٍ من الأمور: لا حاجة إلى اليمين عليه .....
لقد حارتْ قريش في أمرِ الرسولِ الكريم ،وتبلبلت آراء زعمائها في ما يتلوه عليهم ،فقال بعضُهم إنه كاهن ،وقال بعضُهم إنه مجنون ،وقال بعضهم إنه شاعر ،وقال بعضهم إنه ساحر ..ولم يستقرّ رأيهم على شيء ،حتى إن أكبرَ أعدائه - وهو النضر بن الحارث من بني عبد الدار ،صاحبُ لواء قريش يوم بدر - قال مسفّهاً هذه الآراء كلها بقوله: « يا معشرَ قريش ،إنه واللهِ قد نزل بكم أمر ما أتيتم به بحيلة بعد ،قد كان محمد فيكم غلاماً حَدَثا ،أرضاكم فيكم ،وأصدقكم حديثا ،وأعظمكم أمانة ،حتى إذا رأيتم في صِدغيه الشَّيب ،وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحرٌّ لا واللهِ ،ما هو بساحر .لقد رأينا السحرةَ ونَفَثْهم وعقدهم .وقلتم كاهن !لا واللهِ ما هو بكاهن .قد رأينا الكهنةَ وتخالُجَهم ،وسمعنا سجعهم .وقلتم شاعر !لا واللهِ ما هو بشاعر .قد رأينا الشِعر ،وسمعنا أصنافه كلَّها: هَزَجَه وَرجَزه .وقلتم مجنون !لقد رأينا الجنون فما هو كذلك .يا معشر قريش ،فانظروا في شأنكم ،فإنه واللهِ قد نزل بكم أمر عظيم ..... » .
أُقسِم بما تشاهدون من هذا الكون العجيب وما فيه حولَكم من مخلوقات .