{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ 47} [ 47] .
تعليق على جملة
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ}
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد الآية ،وهي معطوفة على ما قبلها بحيث يصح القول: إنها غير منقطعة عن السياق وبمثابة تعقيب عليه وقد روى المفسرون عن أهل التأويل من التابعين تأويلين أو احتمالين لمدى الآية ،الأول: أن يكون صدد الحياة الأخرى فتكون بسبيل تقرير أن الله تعالى يحاسب يوم القيامة كل أمة بحضور رسولها فيقضى فيها بالحق ودون ما ظلم .وفي القرآن آيات تقرر هذا المفهوم عامة وخاصة مثل آيات سورة الزمر هذه:{ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاواتِ ومَن فِي الْأَرْضِ إلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ 68 وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ووُضِعَ الْكِتَابُ وجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَدَاء وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وهُمْ لَا يُظْلَمُونَ 69} ومثل آيات سورة النساء هذه:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ويُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا 40 فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا 41 يَوْمَئِذٍ يَودُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوى بِهِمُ الأَرْضُ ولاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا 42} .
والثاني: أن تكون في صدد الحياة الدنيا فتكون بسبيل تقرير سنة الله في إرسال الرسل للأمم .فإذا جاء إلى أمة رسول يكون قد تعين بذلك مصيرها بالحق دونما ظلم حيث يكون نصيب المؤمنين الصالحين النجاة ونصيب المكذبين المسيئين الخسران .
ومع وجاهة كل من الاحتمالين فنحن نميل إلى ترجيح التأويل أو الاحتمال الثاني ؛لأنه متصل برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وموقف المكذبين ،وفيه إعلان لهؤلاء بأنهم لم يبق لهم عذر ولا مناص بعد بعثة رسول منهم إليهم ،وأنهم أمام خطتين يتحتم عليهم اختيار إحداهما ويكون مصيرهم منوطا بهذا الاختيار ،فإما الإيمان والنجاة وإما التكذيب والخسران ،وهذا هو قضاء الله العادل الذي لا ظلم فيه ولا إجحاف .وفيه بالتالي إنذار لهم ودعوة لهم إلى الارعواء وعدم إضافة الفرصة فيندمون ولات ساعة مندم .
والآية من ناحية ما تدعم ما ذكرناه في سياق آية سورة فاطر:{وإن من أمة إلاّ خلا فيها نذير24} من كون حكمة الله تعالى وسنته جرتا على إرسال الرسل إلى كل أمة في كل ظرف .ولا نرى هذا متعارضا مع حكمة الله تعالى التي شاءت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين كما نصت على ذلك آية سورة الأحزاب [ 40] حيث صار عليه صلوات الله وسلامه رسولا لكل البشر إلى يوم القيامة .