{ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 48 قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إلاّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ 49 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ 50 أَثُمَّ إِذَا مَا وقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وقَدْ كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ 51 ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ 52} [ 4852] .
في الآية الأولى حكاية لتساؤل الكفار عن موعد تحقيق ما يوعدون به .وفي الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم قائلا إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وكل شيء منوط بمشيئة الله تعالى ،وإن لكل أمة أجلا عنده لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم ،وفي الآية الثالثة وما بعدها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بالمقابلة عن استعجالهم لعذاب الله وغضبه الذي قد يأتيهم ليلا أو نهارا ،وعمّا إذا كانوا يظنون أنه إذا وقع عليهم يبقى لهم مجال للإيمان ،وبإعلانهم أن هذا لن يتيسر لهم وأن عذاب الله إذا وقع عليهم يكون قد قضى في أمرهم ولم يبق إلاّ أن يخلدوا في النار جزاء ما كسبت أيديهم .
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات ،فإما أن تكون حكاية مشهد وجاهي جديد بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعد الآيات السابقة التي فيها وعيد لهم وحكاية لمواقفهم ،فنزلت بعده ،وإما أن تكون حكاية مشهد سابق للسياق كله سيق في صدد حكاية مواقف المشركين وأقوالهم .وعدم رواية خاصة في نزولها يجعلنا نرجح الاحتمال الثاني فتكون الآيات والحالة هذه استمرارا للسياق .
وسؤال الكفار الذي حكته الآية الأولى ينطوي كما هو ملموح على تحدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم على استهتارهم بما يوعدون به .
وقد جاء الرد القرآني في الآية الثالثة وما بعدها قويا لاذعا ينطوي على التوكيد الحاسم بتحقيق وعد الله .
وقد وجه الخطاب فيه إلى القلوب والعقول معا ،ونوقش الكفار فيه مناقشة محكمة من شأنها أن تبعث الخوف في نفوسهم من فوات الفرصة ووقوعهم في حسرة الندامة ،وهو ما استهدفته الآيات في جملة ما استهدفته .
وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم ،حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري .وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ ورد وتشاد .
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه ،وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه ،وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه .وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [ 188] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها .