{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ( 27 ) الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( 28 ) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى1 لهم وحسن مآب ( 29 )} [ 27-29] .
لم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات ،والمتبادر أنها هي الأخرى متصلة أيضا بالسياق اتصال تعقيب وتنديد بالكفار وتنويه بالمؤمنين بالمقابلة .وفيها حكاية لما كان يتكرر من تحدي الكفار للنبي بالآيات وتطمين وتسرية له .فالكفار يظلون يتحدون النبي بالإتيان ببرهان من ربه على صدق دعوته .فعليه أن لا يعبأ بتعجيزهم ،وأن يعلن أن الله يظل من يشاء ،وأن دعوته إنما يهدي الله إليها الذين حسنت نياتهم وطابت قلوبهم ورغبوا في الإنابة إلى الله فهم الذين تطمئن قلوبهم بذكر الله .وهو الجدير باطمئنان القلوب بذكره ،فيؤمنون ويعملون الأعمال الصالحة .وهؤلاء لهم قرة العين وحسن المصير والمنقلب وكل ما هو طيب .
ومن الأحاديث المروية في كونها شجرة في الجنة حديث رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: ( قال رسول الله: طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني .قال له رجل: وما طوبى ؟قال: شجرة في الجنة مسيرتها مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ) – النص من ابن كثير - .وحديث رواه الطبري بطرقه جاء فيه: ( جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن في الجنة فاكهة ؟قال: نعم .فيها شجرة تدعى طوبى هي تطابق الفردوس تشبه شجرة تدعى الجوزة لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرما ) .وهناك حديث يرويه رواة الشيعة والهوى الحزبي بارز عليه جاء فيه: ( سئل رسول الله عن طوبى ؟قال: شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة ،ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: في دار علي .فقيل في ذلك ،فقال إن داري ودار علي في الجنة بمكان واحد ) .وهذه الأحاديث وما في بابها مما لم نر ضرورة إلى استقصائه لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة .وقد ورد في هذه الكتب حديث عن شجرة عظيمة في الجنةبدون أن تسمى طوبى .وهو حديث رواه الشيخان والترمذي عن سهل بن سعد قال: ( قال رسول الله: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ){[1198]} .ومع ذلك فمن الجدير بالتنبيه أن الأحاديث التي تذكر أن شجرة في الجنة تسمى طوبى بالرغم من أنها لم ترد في الكتب الصحيحة ليست بسبيل تفسير الآية ،وإنما رويت في مناسبات أخرى وفي العهد المدني كما هو ظاهر .
أما الذين خبثت سرائرهم وغلظت قلوبهم فهم الذين يقفون منها موقف المعاند المكابر المعجز المتحدي .وهؤلاء لن تفيد معهم المعجزات والبراهين ؛لأنهم ليسوا صادقي الرغبة في الهدى .
وهذه المعاني مما تكرر في المواقف المماثلة العديدة التي حكاها القرآن ومرت أمثلة عديدة منها ،وفي وصف الذين يهديهم الله بما وصفوا توضيح صريح يسوّغ التأويل الذي أوّلناه هنا ،وفي المواضع المماثلة لتعبير{إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وهو التأويل المتسق مع روح القرآن وحكمة الدعوة النبوية .ويصح أن يكون مقيدا لما جاء في بعض الآيات مطلقا لإزالة ما قد يتبادر إلى الوهم من الإطلاق .
تعليق على جملة
{ألا بذكر الله تطمئن القلوب}
وتعبير{ألا بذكر الله تطمئن القلوب}قوي نافذ حقا ،فالمرء الذي يتفكر في آلاء الله ويستشعر عظمته يذكره دائما فتخشع بذكره جوارحه وتهدأ نفسه ويصغر في نظره كل ما عدا الله ويهون عنده كل ما يكون فيه من مصاعب ومشاكل وتطمئن نفسه وقلبه .
ولقد علقنا على موضوع ذكر الله وما أعاره كتاب الله له من عناية بالغة وما ورد في صدد ذلك من أحاديث نبوية في سياق سورة الأعراف فنكتفي هنا بهذه الإشارة .