{أَنَابَ} الإنابة: الرجوع إلى الحق بعد الضلال .
ولكنّ الكافرين بالله وبرسله لا يريدون مواجهة حقائق الأشياء التي يقدمها الرسل إليهم ،فلا يدخلون معهم في حوار منتج ،حول الرسالة في مفاهيمها ،والرسول في دعوته ،بل يهربون إلى مواقع التحدّي نتيجة عقدٍ تحكمهم وتدفعهم إلى تسجيل المواقف .{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيةٌ مِّن رَّبِّهِ} بما تمثّله المعجزة من خرقٍ للمألوف في أوضاع الكون ،كما في معجزة موسى أو عيسى عليهما السلام ،لزعمهم أن تحرك النبوة في أجواء المعجزة هي قاعدة عامة ،من دون التفات إلى أن دور المعجزة هو ردّ التحدي ذي الطابع العام ،حفاظاً على سلامة الرسالة الخاصة التي تفرضها الاقتراحات المزاجية والتي تهدف إلى شغل النبي بها .
الضلال والهداية من الله
{قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يشآءُ} من خلال أسباب الضلال التي تتحرك في حياة الأشخاص ،وربما كان من بينها إرادة الإنسان للضلال ،أو إهماله الأخذ بأسباب الهدى في فكره وفي خطواته العملية في الحياة ،{وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} إلى الله ورجع إليه وأقبل على مواقع الهداية في آفاق الحق وحرّك فكره في كل موقع من مواقع الكفر ،وفي كل موقفٍ من مواقف الحوار .وبذلك ينطلق الضلال من مواقع الاختيار الإنساني في نطاق ظروفه المحدّدة ،وينطلق بالهدى في هذا الاتجاه .وتبقى نسبة الأمرين لله سبحانه ،من حيث علاقة كل الأشياء في الكون بإرادته من خلال قانون السببية ،الذي يجعل حركة السبب تابعة للإرادة ،في الوقت الذي يكون ارتباطه بالمسبب خاضعاً للمشيئة الإلهية في حركة الكون .