{يَبْسُطُ}: يوسع .
{وَيَقَدِرُ}: يضيق .
{مَتَاعٌ}: ما فيه متعة ولكنها قليلة .
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ} إنها سنّة الله في الكون ،فقد أودع فيه سبحانه قوانين وسنناً ،تحكم حياة الإنسان وتوجِّه مسيرته ،وتوفر بالتالي لفريق من الناس سعة الرزق من حيث ظروف العمل ،أو طبيعة الموقع في إمكانات القدرة ووسائل الإنتاج ،في حين تضيق تلك الأسباب بفريق آخر منهم ،فيضيق رزقهم تبعاً للظروف والأجواء والمواقع والإمكانات والوسائل .
ذلك أن للرزق أسبابه ،في حركة الإنسان ،وفي ظروفه المحيطة به ،تبعاً لقانون السببية الذي يحكم الكون ،بناءً على التخطيط الإلهيّ ،ما يجعل من نسبة التوسعة والتضييق إلى الله نسبةً حقيقيةً ،لسيطرته المطلقة على الظروف والقوانين والضوابط التي تحكم الحياة .وقد لا ينافي ذلك اختياريّة بعض الظروف التي يصنعها الإنسان بحركته السلبية أو الإيجابية ،لأن عملية الاختيار هذه ،تتحرك ضمن الدائرة الكونية التي تحكمها سنن الله وتديرها مشيئته ،ككل الأشياء الخاضعة للتقدير الإلهي بشكل عام ،ولكنها تتضمن هامشاً من الحرية يسمح للإنسان بالحركة في النطاق الخاص ،بحيث يبقى رزق الإنسان في حدود التقدير الإلهي ،فلا يزيد أو ينقص عما قدره الله في حركة الأسباب والمسبّبات ،ما يفرض عليه أن يواجه سعة الرزق وضيقه ،بطريقةٍ متوازنةٍ ،لا مجال فيها للفرح بمفاجأة غير منتظرة ،لأن الشيء الذي يحصل بحصول سببه ،لا بد منه أن يكون حالةً طبيعيةً في واقع الإنسان ،تماماً كما هو الحال في طلوع النهار أو قدوم الربيع ،ولكن الناس يغفلون هذه الحقيقة ،ويرون أن جهدهموحدهبعيداً عن حركة السنن الكونية ،هو الأساس في عملية الربح والزيادة ،من دون أن يكون للتقدير الإلهي دخلٌ في ذلك كله .وهذا ما يحدثنا عنه الله تعالى في قوله:{وَفَرِحُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا} ،واستسلموا لها واستغرقوا في تفاصيلها ،وواجهوا أرباحها وسعتها ،من موقع الفرح الطاغي الذي تثيره المفاجأة وتحكمه الشهوة .ولكن لو فكر هؤلاء الناس بحجم الحياة الدنيا وحدودها ،إذ يستسلمون للفرح بها كما لو كانت هي الفرصة الأولى والأخيرة لدى الإنسان ،لما استسلموا لها هذا الاستسلام ،ولما فرحوا بها هذا الفرح ،بل لوقفوا أمامها موقفاً متوازناً ،يحدّد دورهم فيها ،ودورها في مصيرهم ،ويقف بحدودها عند حدود أعمارهم ،ولأدركوا الحقيقة الكونية التي تعتبر الدنيا بالنسبة إلى الآخرة ،مجرد متاع يستمتع به الإنسان ثم يتركه{وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيَا فِي الآخرةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} مقابل حياة الإنسان في الآخرة الممتدّة في أجواء الخلود ورحابه ،حيث يتحدد موقعه فيها تبعاً لعمله في الدنيا في خط الإيمان والكفر ،وحركة الطاعة والمعصية .