{الَّذِينَ آمَنُواْ} بالله ،ووعوا حقيقة الإيمان ،وعرفوا موقع الله من وجود الكون والإنسان ،وسيطرته المطلقة على مقدرات الأمور ،فلا يوجد شيء إلاّ من خلال إرادته ،فإذا أراد شيئاً كان ،وإذا لم يرد لم يكن ،ولا يملك أحد أن يتدخل في ما يريد أو في ما لا يريد ،ومن خلال ذلك يشعر المؤمنون بالطمأنينة النفسية مع الله ،من موقع الإيمان بقدرته ورحمته ورعايته وتدبيره ،فلا مجال للشعور بالقلق والضياع والحيرة ونحوها من المشاعر النابعة من حالات الاهتزاز النفسي ،أمام أحداث الحياة ومشاكلها ،لأن الله هو الذي يتكفّل بحلّ ذلك كله ،على أساس القاعدة الصلبة التي أقام عليها نظام الإنسان والحياة ،وفتح له الآفاق التي يلجأ فيها إليه ،ليرحمه ويلطف به ،حتى في قضاياه الجزئية ،ووعده بالاستجابة له ،إذا دعاه ،في حدود مصلحته في دنياه وآخرته ،وكل شيء عنده بمقدار .
وهكذا يرجع المؤمنون إلى الله كلما أصابهم حزنٌ ،أو أحاطت بهم المشاكل ،ويذكرونه بالتسبيح والدعاء في حالةٍ من الخشوع والإيمان والانفتاح ،{وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} فتسكن إلى رحمته ،وتهفو إلى لطفه ،وتستسلم لرعايته وتدبيره ،وهذا ما نستوحيه مما حدثنا الله به عن رسوله ليلة الهجرة في غار حراء{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} ،[ التوبة:40] فقد كانت ثقته بالله وبرحمته ورعايته ،هي الأساس في هذه الطمأنينة التي هزمت الخوف والحزن معاً ،بدلاً من أن تسقط مهزومةً أمامهما ،وليس المراد بالذكر هناكما يظهرالذكر بالكلمة ،بل المراد به الذكر في المواقف ،حيث يعيش الإنسان الشعور بحضور الله في داخله ،فلا يغيب عنه ،في أيّ موقف من مواقف الاهتزاز أمام تحديات الحياة ومشاكلها ،فيتماسك ويتوازن ويقوى ويشتد ويثبت أمام الله ،ليحس بالثقة بين يديه ..وذلك هو زاد المؤمن في الحياة ،وتلك هي قيمة الإيمان الروحية ،التي تجعله يختزن عناصر الثقة بالحياة من خلال الثقة بالله .