استئناف اعتراضي مناسبتهُ المُضادةُ لحال الذين أضلهم الله ،والبيانُ لحال الذين هداهم مع التنبيه على أن مثال الذين ضلوا هو عدم اطمئنان قلوبهم لذكر الله ،وهو القرآن ،لأن قولهم:{ لولا أنزل عليه آية من ربه} يتضمن أنهم لم يعدوا القرآن آية من الله ،ثم التصريح بجنس عاقبة هؤلاء ،والتعريض بضد ذلك لأولئك ،فذكرها عقب الجملة السابقة يفيد الغرضين ويشير إلى السببين .ولذلك لم يجعل{ الذين آمنوا} بدلاً من{ من أناب}[ الرعد: 27] لأنه لو كان كذلك لم تعطف على الصلة جملة{ وتطمئن قلوبهم} ولا عطف{ وعملوا الصالحات} على الصلة الثانية .ف{ الذين آمنوا} الأول مبتدأ ،وجملة{ ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب} معترضة و{ الذين آمنوا} الثاني بدل مطابق من{ الذين آمنوا} الأول ،وجملة{ طوبى لهم} خبر المبدأ .
والاطمئنان: السكون ،واستعير هنا لليقين وعدم الشك ،لأن الشك يستعار له الاضطراب .وتقدم عند قوله تعالى:{ ولكن ليطمئن قلبي} في سورة البقرة ( 260 ) .
و{ ذكر الله} يجوز أن يراد به خشية الله ومراقبته بالوقوف عند أمره ونهيه .ويجوز أن يراد به القرآن قال:{ وإنه لذكر لك ولقومك}[ سورة الزخرف: 44] ،وهو المناسب قولهم:{ لولا أنزل عليه آية من ربه} .وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة الزمر:{ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله}[ سورة الزمر: 22] ،أي للذين كان قد زادهم قسوة قلوب ،وقوله في آخرها:{ ثم تلين جُلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}[ سورة الزمر: 23] .
والذكر من أسماء القرآن ،ويجوز أن يراد ذكر الله باللسان فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته .
وهذا وصف لحسن حال المؤمنين ومقايستهِ بسوء حالة الكافرين الذين غمر الشك قلوبهم ،قال تعالى:{ بل قلوبهم في غمرة من هذا}[ سورة المؤمنون: 63] .
واختير المضارع في{ تطمئن} مرتين لدلالته على تجدد الاطمئنان واستمراره وأنه لا يتخلله شك ولا تردد .
وافتتحت جملة{ إلا بذكر الله} بحرف التنبيه اهتماماً بمضمونها وإغراء بوعيه .وهي بمنزلة التذييل لما في تعريف{ القلوب} من التعميم .وفيه إثارة الباقين على الكفر على أن يتسموا بسمة المؤمنين من التدبير في القرآن لتطمئن قلوبهم ،كأنه يقول: إذا علمتم راحة بال المؤمنين فماذا يمنعكم بأن تكونوا مثلهم فإن تلك في متناولكم لأن ذكر الله بمسامعكم .