{ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد 19 وما ذلك على الله بعزيز1 ( 20 )} [ 19- 20] .
المتبادر أن الآيتين جاءتا معقبتين على الآية السابقة .والخطاب فيهما موجه إلى السامعين وإن كان جاء في أول الآية الأولى بصيغة المفرد وفي آخرها بصيغة الجمع بل ولعله موجه إلى الكفار منهم .والسؤال الذي بدأت به الآية الأولى في معنى تقرير أمر يعرفه أو يعترف به السامعون .وهكذا تكون الآية الأولى قد تضمنت تقريرا بكون السامعين يعترفون أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض وبكون ذلك يستتبع أن يكون قد خلقهما بالحق وأن يكون قادرا على إفناء السامعين والناس والإتيان بخلق جديد ،وأكدت الآية الثانية قدرة الله على ذلك وعدم عجزه عنه وامتناعه منه .
والمتبادر أن المقصود من كلمة الحق في مقامها تقرير كون الله عز وجل لم يخلق السماوات والأرض عبثا ،وإنما خلقهما لحكمة سامية ،وهو ما قررته آيات كثيرة مرت أمثلة منها وعلى ضوء الآية السابقة للآيتين وعلى ضوء تلك الآيات التي منها آيات سورة الذاريات هذه:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57} يمكن أن يقال: إن هذا تضمن تقرير كون من حكمة الله أن يؤمن الناس بالله ويتجهوا إليه وحده فإذا لم يفعلوا ذهبت أعمالهم هباء عنده واستحقوا غضبه .
ولما كان كفار العرب يعترفون بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض ،على ما حكته عنهم آيات عديدة مرت أمثلة منها فتكون الحجة في الآيتين دامغة مفحمة لهم .