وقد بين سبحانه أن الجزاء الأوفى يكون يوم القيامة ، وأنه سبحانه وتعالى قادر على الإعادة ، كما قال تعالى:{. . .كما بدأكم تعودون ( 29 )} [ الأعراف] ؛ ولذا قال تعالى:
{ ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( 19 ) وما ذلك على الله بعزيز ( 20 )} .
الاستفهام هنا لإنكار الوقوع أي للنفي ، وهو داخل على النفي ( لم ) ونفى النفي إثبات وهو إثبات مؤكد ، كأنه استفهم فكان الجواب هو الإثبات ، وتأكيد أن الله خلق السموات والأرض ، وقوله تعالى:{ بالحق} ، أي متلبسا بالحق في ذاته ، وبأنها لم تخلق عبثا ، كما قال تعالى:{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( 115 )} وبأنها ثابتة دائما ثبات الحق ، فوضع لها نظما ، وسننا ونواميس تجعلها مربوطة برباط محكم ، فأقام السماء بغير عمد ترونها وزينها بزينة الكواكب .
وكما قال تعالى:{. . .ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ( 191 )} [ آل عمران] ، وكما قال تعالى:{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ( 27 )} [ ص] ، ما خلق الله ذلك إلا بالحق .
وقوله تعالى:{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} أن هذا الذي أنشأ السموات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر على أن يذهبهم وأن يفنيهم ، فالإفناء أسهل من الإنشاء{ ويأت بخلق جديد} وإن الإتيان بجديد مثلهن القدرة عليه ثابتة بالمقايسة ، فمن قدر على الإنشاء قادر على الإنشاء الثاني{ وما ذلك على الله بعزيز ( 20 )} ، أن ليس ذلك الإنشاء الثاني بعزيز ، أي متعذر أو متعسر عليه سبحانه ، فهو سبحانه وتعالى قادر بذاته ، لا يختص بابتداء ولا إنشاء من جديد ، فالقدرة ثابتة ، ومتى يثبت لا يعز شيء عليه ولا صعب .
وفي هذا الكلام بيان أن الله سبحانه وتعالى قادر على الإعادة ؛ لأنه قادر على الإنشاء من جديد ، كما قال سبحانه:{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} .
وكما قال تعالى:{ أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ( 33 )} [ الأحقاف] .
وكما قال تعالى:{ أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( 81 )} [ يس] .
وإن الآية تفيد بإشارتها ترهيب المشركين بأنهم لا يعجزون الله ، فإنه يستطيع إهلاكهم ، وخلق غيرهم .
وإنهم في قبضة الله في الدنيا ، وجزاؤهم عنده في الآخرة ، وهو يتولى الجزاء بالإحسان لمن أحسن وبالعذاب لمن عصى .