قوله تعالى:{ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( 19 ) وما ذلك على الله بعزيز ( 20 )} الخطاب لرسول الله ( ص ) ،والمقصود كل أحد من الناس .والرؤية هنا يراد بها رؤية القلب .والمعنى: ألم ير الإنسان بعين قلبه فيعلم أن الله أنشأ السماوات والأرض بالحق ؛أي بالحكمة والوجه الصحيح ؛فقد خلق ذلك كله منفردا ،من غير ظهير له في ذلك ولا معين ،ليجد الناس فيما خلقه الله من الدلالات والبراهين الظاهرة المستفيضة ما يشهد في يقين قاطع بأنه المنشئ الموجد ،وأنه الخالق الغالب ،القادر على إفناء هؤلاء الناس وإذهابهم ،ثم يأتي بدلا منهم بآخرين جدد أفضل منهم ؛بل إن ذلك على الله هين ويسير ؛فخلق السماوات والأرض لا جرم أصعب وأعظم من خلق الناس .وما الناس في الكون والكائنات إلا جنسا واحدا من أجناس وأصناف وخلائق لا يعلم عدَّها وكثرة أنواعها وأجناسها إلا الله .
وللمرء أن يتصور فداحة البون الهائل المذهل بين خلق الإنسان من جهة ،وخلق السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن من جهة ثانية ؛إذ تصور بساطة الكوكب الأرضي الذي يحمل الإنسان ،إذا ما قورن بجرم الشمس الحارق المستعر الذي هو أكبر من حجم الأرض بمليون ضعف ونيف .وما الشمس كلها في مقابلة الكون بأجرامه الهائلة المديدة المذهلة إلا كحجم الخردلة الملقاة في فلاة .