قوله تعالى:{مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد} في إعراب ( مثل ) عدة وجوه ،أهمها اثنان هما: الأول: أن ( مثل ) مبتدأ أول .و ( أعمالهم ) مبتدأ ثان .( كرماد ) ،خبر المبتدأ الثاني .والمبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول .
الثاني: أن ( مثل ) مبتدأ .( أعمالهم ) بدل منه .و ( كرماد ) خبره{[2385]} .هذا مثل لأعمال الكافرين في الدنيا ؛فإنها يمحقها الله في الآخرة ؛إذ يأتي عليها الحبوط فلا تجديهم أيما نفع .مثل ضربه الله لأعمال الكافرين الجاحدين الذين يحادون الله ورسله ويستنكفون عن دعوة الله ومنهجه الحكيم .فبين الله في هذا المثل أن أعمال هؤلاء الجاحدين الخاسرين التي كانوا يعملونها في حياتهم كصلة الأرحام وإنفاق المال في الخير والإعمار وغير ذلك من وجوه الإصلاح والبر .كل ذلك مآله الحبوط لصدوره عن كافرين بالله ورسوله وكتابه أو لابتغائهم بذلك غير وجه الله ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) .
قوله: ( أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) ( يوم عاصف ) ،أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية .والعصف معناه شدة الريح .عصفت الريح عصفا وعصوفا: اشتد هبوبها فهي عاصف وعاصفة{[2386]} ؛أي أن أعمال الكافرين باطلة كلها ؛فهي مثل رماد عصفت ( اشتدت ) الريح عليه في يوم ريح عاصف فنسفته وذهبت به .فكذلك أعمال الكافرين يوم القيامة ،لا تنفعهم عند الله ولا تنجيهم .
قوله: ( لا يقدرون مما كسبوا على شيء ) أي لا يقدرون على الانتفاع بشيء من الثواب يوم القيامة على أعمالهم التي عملوها في الدنيا ،كعدم قدرتهم على الإمساك بالرماد إذا عصفت به الريح عصفا في يوم شديد الهبوب .قوله: ( ذلك هو الضلال البعيد ) أي الخسران الكبير .أو الإشارة إلى التيه البعيد عن الحق والصواب والجزاء الحسن{[2387]} .