قوله: ( يتجرعه ولا يكاد يسيغه ) ( يتجرعه ) ،يعني يتحسَّاه تغصصا أو يشربه قهرا وقسرا جرعة جرعة وليس مرة واحدة وذلك لشدة حرارته ومرارته ( ولا يكاد يسيغه ) ولا يكاد يزدرده من شدة كراهته .وهو يسيغه بعد إبطاء وذلك من شدة العطش .والعرب تقول: ما كدت أقوم ؛أي قمت بعد إبطاء .
قوله: ( ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ) يعني تأتيه أسباب الموت من كل مكان أو جهة ؛إذ تأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن كل موضع في جسده وهو ليس بميت ؛لأنه لا تزهق نفسه فيستريح ،ولا هو بحي ؛لأن نفسه تتحشرج وتضطرب في الحناجر فلا ترجع إلى مكانها .وذلك تفظيع لما يصيبه من الآلام الشديدة التي يكفي الواحد منها لإزهاق نفسه .
قوله: ( ومن ورائه عذاب غليظ ) الضمير في ( ورائه ) يحتمل عودة وجهين .أحدهما: أنه عائد على الكافر .ثانيهما: أنه عائد على العذاب ؛فيكون المعنى: إن رواء هذا العذاب عذاب غليظ{[2383]} ،وذلك تفظيع لحال الأشقياء المعذبين في جهنم ؛فإن العذاب الشديد يحيط بهم من أمامهم ومن خلفهم ليذوقوا الهوان البالغ والإيلام الفظيع{[2384]} .