وصف سبحانه وتعالى شربه فقال:
{ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما وهو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ( 17 )} .
يطلبون الماء فيحابون ، ولكن سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه ، فإذا استسقوا جاءهم ماء ، هو صديد يجتمع فيه قبح ذاته وحرارته ، وأنه يقطع الأمعاء ، ولكنهم مع ذلك يشربونه لأنهم عدموا الرى ، فلا رى سواه{ يتجرعه ولا يكاد يسيغه} أن يحاول شربه بأن يتجرعه جرعة جرعة ولا يطيق أن يشربه شربا مع رغبته في الماء{ ولا يكاد يسيغه} يقال:ساغه ، أي شربه مستطيبا له مسيغا له ، أي مر في حلقه بسهولة ، وكذلك أساغ ، أو نقول:أساغه حاول أن يجعله يمر في الحلق سائغا ولا يكاد يستطيع ذلك ، قد اجتمع فيه ما ذكرنا من قبح الذات والمنظر والحرارة وشأنه ليس بمرئ ، وقد وصف الله تعالى حالهم ، فقال:{ ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} فالموت يأتيه من فوقه ، ومن تحته ، ويقول بعض الصالحين ناقلا عن المأثور:إنه لا يبقى عضو من أعضائه إلا وكل به نوع من العذاب لو مات سبعين مرة لكان أهون عليه من نوع منها ، أي أن أسباب الموت تتضافر عليه فلا يموت ، وإنه كما قال تعالى:{ ثم لا يموت فيها ولا يحيى ( 13 )} [ الأعلى] ، فهي حياة هي الفناء ، بل إنه لو كان الفناء لكان خلاصها .
{ ومن ورائه عذاب} أما بعد تلك الحياة الشديدة الغليظة التي لا تفنى ، ولا تبقى ، من بعدها عذاب شديد{ غليظ} يجمع بين صفتين:الشدة والغلظ ، فيكون أقسى العذاب ؛ لأنهم تمتعوا بالشر والأذى والاستكبار فكان ذلك العذاب جزاء وفاقا لما قدموا .