وقد بين الله تعالى مع ذلك أن ما يفعلون من نفع في الدنيا لأنه ينقصه الإيمان ، يذهب هباء ، فقال عز من قائل:
{ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ( 18 )} .
المثل:الصفة الغربية ، وغرابتها ليست في ذاتها فقط ، إنما كانت غرابتها لأنها جاءت على خلاف ما يزعمون ، إذ يزعمون أولا ، أن أوثانهم ستكون شفيعة لهم ، وكانوا يفعلون أمورا يحسبونها من مكارم الأخلاق كإكرام الضيفان وإغاثة الملهوف أحيانا ، كما فعل بعض كبرائهم في حلف الفضول ، ويحسبون ذلك عملا طيبا ، ولو كان مقصده المفاخرة والمباهاة . ثانيا ، ويرون أنهم الكبراء الذين لا تنسى محامدهم ثالثا ، لكنهم يرونها يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
{ مثل الذين كفروا بربهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} ، أي حال الذين كفروا بربهم ، أي جحدوا بربهم الذي خلقهم وأنشأهم وقام على شئونهم وربهم وحفظهم ، حالهم الغريبة أعمالهم كرماد اشتدت به الريح ، وفي قراءة الرياح ، وهذه الجملة هي الخبر أو دالة عليه .
وقد شبه الله سبحانه وتعالى أعمالهم بالرماد الذي تأتى عليه ريح عاصفة شديدة الهبوب فتثيره فتكون رمادا يتبدد ، يغير به الجو ، ثم لا يبقى منه شيء ، إلا الغبار الذي يصيب أعينهم ويفسد جوهم ، والريح هو العاصف ، ولكن وصف اليوم بأنه العاصف من باب إطلاق الزمن على اسم ما يحل فيه ، كيوم ماطر ، ويوم صائف ، ويوم صائم .
وذلك لاستغراق عصف الرياح لليوم كله ، حتى كأنه اليوم الذي اتصف بالعصف وليس غيره .
وقوله تعالى:{ اشتدت به الريح} مشتقة من الشد بمعنى العدو ، كقولهم شد عليه بمعنى عدا عليه وغلبه ، أو مشتقة من الشدة ، وهو الأظهر ، والباء للتعدي ، أي اشتدت فيه الريح وفي قراءة الرياح .
وقوله تعالى:{ لا يقدرون مما كسبوا على شيء} قدم{ مما كسبوا} على{ على شيء} للاهتمام بما كسبوه فهم كانوا يحسبونه شيئا من المكارم ، والأعمال الصالحة فلا يجدونه شيئا ؛ وذلك لأنه فقد المؤثر النفسي وهو الإيمان ، وقصد الخير لذات الخير للمفاخرة والمباهاة وإثارة العصبية ، والمفاخرة ، ومعنى{ لا يقدرون} لا يملكون ، يكون في مقدورهم أن ينتفعوا به ؛ لأنه صار منثورا لا يقبض عليه ، كما قال تعالى في آيات أخرى:
{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( 23 )} [ الفرقان] ، وقال تعالى:{ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيه صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسه فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ( 117 )} [ آل فرعون] ، وتلك النهاية هي غاية البعد من الحق والضلال البعيد في الضلالة .