{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 125} [ 125] .
في الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتزام خطة الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله وجدال الناس في صددها بالحسنى ،وإيكال الأمر بعد ذلك إلى الله ،فهو الذي يعلم من هو الضال عن سبيله ومن هو المهتدي .
ولم نطلع على رواية ما في صدد نزولها كذلك .ويتبادر لنا أن الصلة بينها وبين سابقاتها قائمة .فموضوع التحليل والتحريم وملة إبراهيم مما يكثر الجدل فيه .ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرج وأثير غضبه في ذلك الموضوع في موقف من المواقف ،فاقتضت حكمة التنزيل بعد بيان حقيقة هذه الملة وكونها طريق الله الحق التي أوحى الله للنبي صلى الله عليه وسلم باتباعها ،وكون ما أوحاه الله في صدد التحريم والتحليل هو الحق في هذه الملة أن يهدأ النبي صلى الله عليه وسلم ،ويعلم الخطة الحكيمة التي يحسن أن يسير عليها من جهة وأن يسلى من جهة أخرى .فذوو القابليات الحسنة والقلوب السليمة لا بد من أن يدركوا الحق ويهتدوا به ،وأضدداهم لا يدركون ؛لأنهم يتعمدون المكابرة والعناد وليس على النبي صلى الله عليه وسلم من تبعتهم شيء ،وليس عليه إلا أن يدعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،وإذا صار جدال فينبغي أن يكون في نطاق الرفق واللين والحسنى .
تعليق على آية
{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ،
ومع اتصال الآية بالسياق السابق وموضوعه كما قلنا ،فإن الخطة التي احتوتها والتي جاءت مطلقة عامة من جلال الشأن وبعد المدى في الذروة التي ليس بعدها شيء في صدد الدعوة إلى الإسلام الذي هو سبيل الله والتي تترشح بها الرسالة الإسلامية للشمول والخلود ،وهي مستمرة التلقين عامة المدى بحيث توجب على المسلمين في كل زمان ومكان أن تكون هي خطتهم في الدعوى إلى الإسلام ،وبحيث توجب أن تكون خطة كل داع إلى مبادئ الحق والخير التي هي من سبيل الله .
فالدعوة إلى ذلك إنما تنجح بهذا الأسلوب الحكيم الرائع .أما أساليب العنف والإكراه والإلزام والخشونة فلا تؤدي إلى نتيجة إيجابية سليمة .
ولقد قال بعض المفسرين{[1294]}: إن الآية قد نسخت بآيات القتال ،كما قال بعض المغرضين من المبشرين والمستشرقين:إنها خولفت ونقضت حينما قوي النبي صلى الله عليه وسلم واشتد ساعده .وليس في هذا وذاك صواب فيما نرى ،فالمبادئ التي تضمنتها آيات القتال المدنية متسقة مع هذه الخطة تماما . والقتال إنما شرع ضد المعتدين على المسلمين ،وليس لإكراه الناس على الإسلام على ما شرحناه في سياق سورة ( الكافرون ) وعلى ما سوف نزيده شرحا في مناسباته .
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المتواترة تكذب كل من يقول من الأغيار: إن هذه الخطة قد نوقضت ،بل الحق الذي لا يماري فيه إلا المكابر المغرض أنها روعيت أدق رعاية وأشدها{[1295]} .