أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{63} لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{64} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{65} وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ{66} .
في هذه الآيات سؤالان ينطويان على معنى التقرير ،ولفت النظر عما إذا كان الرائي لا يرى آثار قدرة الله تعالى في كونه ويقنع بقدرته على تحقيق ما يعد:
1- فالله هو الذي ينزل من السماء الماء فلا تلبث الأرض أن تصبح مخضرّة بعد الاربداد والجفاف .
2- والله سخّر للناس ما في الأرض ليتمتعوا به وسخّر لهم البحر لتجري فيه الفلك أيضا ،وفي ذلك ما فيه من منافع لهم .
3-وهو الذي يمسك السماء بتدبيره وقدرته وما أودعه فيها من ناموس فلا تقع على الأرض .وفي ذلك من آثار رأفته بالناس وحكمته ورحمته ما هو ظاهر .
4- وهو الذي أحيا الناس من العدم وهو الذي يميتهم .وهو الذي يحييهم ثانية .فإنله ما في السموات وما في الأرض .وكل شيء خاضع له ،وهو غني عن كل شيء حميد لما يبدو من عباده من الإخلاص والعبودية له .
وانتهت الآيات بفقرة تنديدية بجحود الإنسان لنعم الله .وتعاميه عن آثار عظمته ،وشكّه في قدرته ومطلق تصرفه أمام ساطع الآيات وباهر البراهين .
والآيات كما هو المتبادر متصلة بسابقاتها سياقا وهدفا .والطابع المكي قوي البروز عليها .وأسلوبها متّسق مع أسلوب أمثالها الكثيرة في القرآن المكي .ومستهدفة ما استهدفته من لفت نظر الناس جميعا إلى ما يقع تحت مشاهدتهم من آثار عظمة الله وقدرته في كونه سماء وأرضا وبحرا ،وما يتمتعون به من نعم الله وتيسيرهللتدليل على وجوده وعظمته ومطلق تصرفه .وللتنديد بالشك في صدق ما يعد به وقدرته على تحقيقه .والجحود بنعمه وعدم الاستشعار بخشيته والخضوع التامّ له وحده ونبذ ما سواه .
ولقد شرحنا في سورة لقمان مدى ومعنى تسخير الله ما في السموات والأرض للناس فنكتفي بالإشارة إلى ذلك في مناسبة ما جاء هنا من مثله .
وللصوفيين تفسير عجيب للآية [ 63] جاء فيه أن معناها: ( أنزل الله مياه الرحمة من سحائب القربة ،وفتح إلى قلوب عباده عيونا من ماء الرحمة ،فأنبتت فاخضرّت بزينة المعرفة ،وأثمرت الإيمان وأينعت التوحيد .وأضاءت بالمحبة فهامت إلى سيّدها واشتاقت إلى ربّها فطارت بهمّتها .وأناخت بين يديه وعكفت فأقبلت عليه .وانقطعت عن الأكوان أجمع .إذ ذاك آواها الحقّ إليه ،وفتح لها خزائن أنواره وأطلق لها الخيرة في بساتين الأنس ورياض الشوق والقدس ){[1402]} وفي هذا ما فيه من شطح ...