{يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ( 51 ) وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون( 52 ) [ 51-52] .
المتبادر أن الآيتين قد جاءتا بمثابة تعقيب على السلسلة:فقد أمر الله فيهما الرسل أن يأكلوا من الطيبات وأن يعملوا الصالحات وأن يثبتوا على الطريق الحق وأن لا يخشوا ويتقوا إلا الله وأن يتيقنوا أن الذي دعوا إليه واحد والطريقة التي وصّوا بها واحدة وأنهما لا يتحملان تعددا ولا اختلافا .
وقد قال بعض المفسرين: إن الخطاب في الآيتين موجه إلى النبي وإن جاء بصيغة الجمع{[1434]} وقد لا يخلوا القول من وجاهة تؤيدها صيغة المخاطب .على أن توجيه الخطاب إلى الرسل جميعهم هو توجيه معنوي بقصد تقرير وحدة أهداف رسالات الأنبياء للناس وتقرير وحدة الشرائع الإلهية التي من جملتها إحلال كل ما هو طيب دون حرج ولا قيد .ويكون النبي قد أدمج في عدادهم فكان الخطاب لهم غائبين وله حاضرا مخاطبا .
ولقد روى المفسرين{[1435]} في سياق هذه الآيات حديثا رواه مسلم والترمذي في فصل التفسير من كتابيهما في سياق تفسير سورة ( المؤمنون ) جاء فيه: ( إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم 51} وقال:{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [ البقرة: 172] قال: وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ) .حيث ينطوي في الحديث تفسير وتوضيح نبويان يفيدان أن الخطاب في الآيتين ليس قاصرا على الرسل ،وإنما هو موجه إلى أممهم وبخاصة الذين آمنوا بهم وبنوع أخص أمة آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم الذي صار على جميع الأمم السابقة اتباعه ،وإن الذين ينحرفون عن ذلك إلى الحرام وغير الطيب في المأكل والمشرب والملبس يكونون منحرفين عن طريق الله الحق مما احتوت تقريره آيات كثيرة مكية ومدنية مرت أمثلة منها ومما فيه تلقين جليل مستمر المدى بالإضافة إلى ما في الآيتين من تلقين جليل في تقرير وحدة الطريقة التي سنها الله تعالى لرسله والمرسلين إليهم وإيجابه التزام الصالحات والتقوى عليهم .