{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا 1 مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 21 )} .
( 1 ) ما زكى: ما طهرت سريرته وصفت نيته .
والآية متصلة أيضا بسابقاتها سياقا وموضوعا اتصال تعقيب وعظة وتنبيه على ما هو المتبادر .والخطاب فيها موجه للمؤمنين يحذرون فيه من اتباع خطوات الشيطان ووساوسه وهو إنما يأمر بالفحشاء والمنكر .ويذكرون فيه مرة أخرى بفضل الله ورحمته بهم اللذين لولاهما لما اهتدى وزكى أحد منهم أبدا وهو السميع لكل شيء ،العليم بكل شيء ،الذي يزكي من يشاء ممن علم صلاحهم وطيب سرائرهم وأهليتهم لتزكيته وفضله ورحمته .كأنما يهتف بهم بوجوب التمسك بأوامر الله والتزام حدوده والبعد عن المزالق والفتن والفحشاء والمنكر حتى يضمنوا لأنفسهم دوام فضله ورحمته .
ومع اتصال بموضوع حديث الإفك ،فإن أسلوبها هي الأخرى تقريري عام ،وما احتوته من نهي وتنبيه وتذكير وهتاف موجه للمسلمين في كل ظرف ومكان كما هو واضح .
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية بعض الأحاديث منها عن أبي مجلز ( أن رجلا قال لابن مسعود: إني حرمت أن آكل طعاما وسماه فقال له: هذا من نزغات الشيطان .كفر عن يمينك وكل ) ومنها ( أن رجلا نذر ذبح ولده له الشعبي هذا من نزغات الشيطان ) ومنها عن أبي رافع قال: ( غضبت أمي على امرأتي فقالت: هي يوم يهودية ويوم نصرانية ،وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك .
فأتيت عبد الله بن عمر فقال إنما هذه من نزغات الشيطان ) وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة وهي يومئذ أفقه امرأة في المدينة ( وأتيت عاصم ابن عمر فقال مثل ذلك ) وينطوي في هذه الأخبار صور لفهم أصحاب رسول الله وتابيعهم للآية وتطبيقاتها .
ومن تحصيل الحاصل أن يقال: إن هذه الصور ليست كل ما يمكن أن يكون من نزغات الشيطان ،وإن كل انحراف ديني أو خلقي أو اجتماعي أو سلوكي وكل إثم وفحش وبغي يصبح ويمكن أن يكون من ذلك .