قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
بين جل وعلا في هذه الآية ،أنه لولا فضله ورحمته ،ما زكا أحد من خلقه ولكنه بفضله ورحمته يزكي من يشاء تزكيته من خلقه .
ويفهم من الآية أنه لا يمكن أحداً أن يزكي نفسه بحال من الأحوال ،وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء مبيناً في غير هذا الموضع كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء} [ النساء: 49] الآية .وقوله تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} [ النجم: 32] .
والزكاة في هذه الآية: هي الطهارة من أنحاس الشرك ،والمعاصي .
وقوله:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكّى مَن يَشَاء} أي يطهره من أدناس الكفر والمعاصي بتوفيقه وهدايته إلى الإيمان والتوبة النصوح والأعمال الصالحة .
وهذا الذي دلت عليه هذه الآيات المذكورة لا يعارضه قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [ الشمس:9] ولا قوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} [ الأعلى: 14] على القول بأن معنى تزكى تطهر من أدناس الكفر والمعاصي ،لا على أن المراد بها خصوص زكاة الفطر ،ووجه ذلك في قوله: من زكاها أنه لا يزكيها إلا بتوفيق الله وهدايته إياه للعمل الصالح ،وقبوله منه .
وكذلك الأمر في قوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} [ الأعلى: 14] كما لا يخفى .
والأظهر أن قوله:{مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ} الآية: جواب لولا التي تليه ،خلافاً لمن زعم أنه جواب لولا في قوله:{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ * رَءوفٌ رَّحِيمٌ} وقد تكرر في الآيات التي قبل هذه الآية حذف جواب لولا ،لدلالة القرائن عليه .