{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( 18 ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون( 19 ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( 20 )} [ 18-20] .
عبارة الآيات واضحة ،وهي متصلة بالسياق ،وقد جاءت بمثابة تعقيب على الآيات السابقة ،وفيها مقايسة بين المؤمنين والفاسقين وبيان المصير الحق الذي يكون لكل منهم في الآخرة المتناسب مع عمل كل منهم ،واستنكار لأي تسوية بين المؤمن الصالح والفاسق المتمرد ،وفيها تدعيم قوي لما ذكرناه قبل في صدد نيل الناس في الآخرة ثوابهم وعقابهم وكونه جزاء عادلا لما قدموه في الدنيا واختاروه من طريق .والمتبادر أن تعبير{كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} تعبير أسلوبي بقصد توكيد شدة البلاء الذي سيصيب الكفار في الآخرة ،واستهدفت فيما استهدفته إثارة الرعب في قلوب الكفار .
وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [ 16-20] مدنية .وروى الطبري عن عطاء بن يسار أن الآيات [ 18-20] نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عتبة بن أبي معيط ( فقد كان بين الوليد وعلي كلام فقال الوليد: أنا أبسط منك لسانا وأحدا منك سنانا ،وأرد منك للكتيبة .فقال علي: اسكت فإنك فاسق ،فأنزل الله فيهما{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} إلى قوله{تكذبون} ) . وروى هذا البغوي بدون عزو إلى راو وبشيء من المباينة هي أن الوليد قال لعلي: اسكت فإنك صبي ،وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة ،فقال له علي: اسكت فإنك فاسق ) فأنزل الله:{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا .
وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة .والمفروض أن الوليد كان مسلما ،والآية تقرر مأوى الفاسقين في النار خالدين فيها ،وتنزه عليا عن القذف بمسلم بصفة الفاسق الكافر .والإمعان في السياق يسوغ القول: إن الآيات منسجمة مع الآيات السابقة بل والآيتين اللاحقتين سبكا وموضوعا كل الانسجام ،وهذا ما يجعلنا نشك في الروايات .والله أعلم .