وتبيّن الآية التالية المقارنة التي مرّت في الآيات السابقة بصيغة أكثر صراحة ،فتقول: ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ) .
لقد وردت الجملة بصيغة الاستفهام الإنكاري ،ذلك الاستفهام الذي ينبعث جوابه من عقل وفطرة كلّ إنسان بأنّ هذين الصنفين لا يستويان أبداً ،وفي الوقت نفسه ،وللتأكيد ،فقد أوضحت الآية عدم التساوي بصورة أوضح بذكر جملة: ( لا يستوون ) .
لقد جعل «الفاسق » في مقابل «المؤمن » في هذه الآية ،وهذا دليل على أنّ للفسق مفهوماً واسعاً يشمل الكفر والذنوب الاُخرى ،لأنّ هذه الكلمة أخذت في الأصل من جملة ( فسقت الثمرة ) إذا خرجت من قشرها ،ثمّ أطلقت على الخروج على أوامر الله والعقل وعصيانها ،ونعلم أنّ كلّ من كفر ،أو ارتكب معصية فقد خرج على أوامر الله والعقل .
وممّا يجدر ذكره أنّ الثمرة ما دامت في قشرها فهي سالمة ،وبمجرّد أن تخرج من القشر تفسد ،وبناءً على هذا فإنّ فسق الفاسق كفسق الثمرة ،وفساده كفسادها .
ونقل جمع من المفسّرين الكبار ففي ذيل هذه الآية أنّ «الوليد بن عقبة » قال يوماً لعلي ( عليه السلام ): أنا أبسط منك لساناً ،وأحدّ منك سناناً !إشارة إلى أنّهبظنّهيفوق علياً في الفصاحة والحرب ،فأجابه علي ( عليه السلام ): «ليس كما تقول يا فاسق » ،إشارة إلى أنّك أنت الذي اتّهمت بني المصطلق بوقوفهم ضدّ الإسلام في قصّة جمع الزكاة منهم ،فكذّبك الله وعدّك فاسقاً في الآية ( 6 ) من سورة الحجرات: ( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ...){[3320]} .
وأضاف البعض هنا بأنّ آية: ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ) نزلت بعد هذه المحاورة ،لكن يبدو من ملاحظة أنّ السورة مورد البحث ( سورة السجدة ) نزلت في مكّة ،وقصّة الوليد وبني المصطلق وقعت في المدينة ،فهذا من قبيل تطبيق الآية على مصداق واضح لها .
وبناءً على ما ذهب بعض المفسّرين من أنّ الآية أعلاه والآيتين بعدها مدنية ،لا يبقى إشكال من هذه الجهة ،ولا مانع من أن تكون هذه الآيات الثلاث قد نزلت بعد المحاورة أعلاه .
وعلى كلّ حال ،فلا بحث ولا جدال في إيمان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) العميق المتأصّل ،ولا في فسق الوليد ،حيث اُشير في آيات القرآن لكلا الاثنين .