كل له أوّاب: كل مسبّح معه منقاد ومطيع له .
وأولوا جملة{أوبي معه} بمعنى سبحي معه أو رجعي تسبيحه ،وبعضهم زاد فقال: إن الله خلق فيها حياة ونطقا ومما قاله الطبري كان إذا سبح أجابته الجبال واجتمعت إليه الطير .ومما قاله ابن كثير: إن الله منح داود عليه السلام صوتا عظيما ،فكان يسبح به عند شروق الشمس وغروبها فتسبح معه الجبال الراسيات وتقف له الطيور السارحات الغاديات الرائحات وتجاوبه مسبحة معه بأنواع اللغات ،ومما قاله القاسمي: إنه كان لصوت داود الحسن دويّ في الجبال وحنين من الطيور إليه وترجيع ،ومع ما في كلام المفسرين من وجاهة فإن ظاهر الآيات يدل على أن ذلك امتياز خص الله سبحانه به داود عليه السلام .
ومن الجدير بالذكر أن تسبيح الجبال والطير مع داود وتسخيرهما لم يرد في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم التي روت سيرة داود بشيء من الإسهاب على ما ذكرناه قبل .وهذا لا ينفي أن يكون ذلك واردا في أسفار وقراطيس كان اليهود يتداولونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم فقدت .ولقد كان القرآن يتلى علنا ويسمعه أهل الكتاب ولا يمكن أن يكون ذلك جزافا .وفي كتب التفسير بيانات مروية عن علماء الصدر الإسلامي الأول تدور في نطاق ما جاء في الآيات ؛حيث يمكن أن يدل هذا على أن ما جاء في القرآن كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس لذلك مصدر إلا الكتابيون وأسفارهم .
ولقد جاء في سيرة داود في سفر الملوك الأول المسمى في النسخة البروتستانتية بصموئيل الأول من الأسفار المتداولة اليوم: أن داود كان يحسن الضرب على الكنارة كما وصف داود في بعض المزامير المنسوبة إليه وهو المزمور بإمام الغناء عبد الرب داود ،مما يمكن أن يستأنس به على ذلك .
والمتبادر أن الهدف الذي استهدفه القرآن من ذكر ذلك هو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما ذكرناه في مطلع الكلام .