( والطير محشورة ): فكلّ الطيور والجبال مسخّرة لداود ومطيعة لأوامره ،وتسبّح معه البارئ عزّ وجلّ ،وتعود إليه ،( كلّ له أوّاب ) .
الضمير ( له ) يمكن أن يعود على داود ،وطبقاً لهذا فإنّ مفهوم الجملة ينطبق مع ما ذكرناه أعلاه ،وهناك احتمال وارد أيضاً وهو أنّ ضمير ( له ) يعود إلى ذات الله الطاهرة ،ويعني أنّ كلّ ذرّات العالم تعود إليه ومطيعة لأوامره .
هناك سؤال يطرح ،وهو: كيف تردّد الطيور والجبال صوت التسبيح مع داود ؟
اختلف المفسّرون في الإجابة على هذا السؤال ،وذكروا عدّة تفاسير واحتمالات له ،منها:
1قال البعض: إنّ صوت داود الجذّاب كان يتردّد صداه عندما تصطدم موجاته الصوتية بالجبال فيجذب الطيور إليه ( وبالطبع فإنّ هذه لا تعدّ فضيلة كي يتطرّق إليها القرآن المجيد وبشيء من العظمة ) .
2واحتمل البعض الآخر أنّ تسبيحها كان توأماً مع صوت ظاهري ،مرافقاً لنوع من الإدراك والشعور الذي هو في باطن ذرّات العالم ،وطبقاً لهذا الاحتمال ،فإنّ كلّ موجودات العالم تتمتّع بنوع من العقل والشعور ،وحينما تسمع صوت مناجاة هذا النّبي الكبير تردّد معه المناجاة ،ليمتزج تسبيحها مع تسبيح داود ( عليه السلام ) .
3واحتملوا أيضاً أنّ هذا التسبيح هو التسبيح التكويني الذي ينطق به لسان حال كلّ مخلوق ،ونظام خلقهم يقول: إنّ الله خال من العيوب والنقص ،وإنّه مقدّس ومنزّه وعالم وقادر ،ويمتلك كافّة صفات الكمال .
ولكن هذا المعنى لا يختّص بداود حتّى يعدّ من مناقبه ،ولهذا فإنّ التّفسير الثاني يعدّ أنسب ،وما ذكر فيه غير مستبعد قياساً بقدرة الله .
فالمناجاة موجودة داخل جميع مخلوقات الكون ،وترانيمها تتردّد على الدوام في بواطنها ،وقد أظهرها الله سبحانه وتعالى لداود ( عليه السلام ) ،كما في الحصاة التي كانت تسبّح الله وهي في يد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسل