{قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين10} [ 10] .
الضمير في{مثله} عائد على القرآن على ما قاله جمهور المؤولين وما يفيده فحوى الآية .وقد تضمنت أمرا للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار سؤال المستنكر المندد عن عنادهم واستكبارهم وقد شهد من بني إسرائيل شاهد على صدق مثله وهو التوراة التي أوحى الله بها إلى موسى عليه السلام ثم آمن به ؛لأنه مماثل لها في المصدر والمدى .وتقريرا قرآنيا بأن الله لا يمكن أن يوفق ويسعد الظالمين المنحرفين عن الحق أمثالهم الذين يقفون مثل هذا الموقف العنيد المستكبر من آياته ورسله .
والآية استمرار في موقف المناظرة والحجاج وبالتالي فهي متصلة بالسياق .ولما كان بنو إسرائيل بخاصة وأهل الكتاب بعامة موضع ثقة عند أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم ،فالآية تنطوي على إفحام وإلزام قويين كما هو المتبادر .
تعليق على ما روي في صدد هذه الآية
من روايات وما احتوته من تسجيل .
لقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن هذه الآية مدنية .وروى الطبري والبغوي في سياقها حديثا رواه البخاري أيضا عن سعد بن أبي وقاص أنه قال:"ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت:{قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ..الخ} [ 10]{[1891]} .وروى الطبري روايات عديدة عن مواقف تصديقية وإيمانية لعبد الله بن سلام كان يفحم فيها اليهود وفي كل منها ذكر أن هذه الآية نزلت في مناسبتها ،وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام نفسه أنه قال:"نزلت فيّ آيات من كتاب الله فنزلت فيّ{وشهد شاهد من بني إسرائيل} إلى آخر الآية ،ونزلت فيّ{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}{[1892]} [ الرعد: 43] .وقال ابن كثير: إن هذا ما قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة والسدي والثوري ومالك بن أنس !على أن الطبري والبغوي يرويان عن مسروق:"والله ما نزلت في عبد الله بن سلام وما نزلت إلا بمكة وما أسلم عبد الله بن سلام إلا بالمدينة .ولكنها خصومة خاصم محمد صلى الله عليه وسلم بها قومه فنزلت لها"وقال البغوي: إن هناك من قال إن الشاهد هو موسى عليه السلام وإن الآية بسبيل تقرير كون القرآن مثل التوراة وكون موسى قد شهد على التوراة .
ويلحظ أن الانسجام تام بين الآية وما قبلها موضوعا وسبكا وسياقا .وأن الخطاب فيها موجه إلى الكفار وبسبيل الرد عليهم وإفحامهم في موقف جدلي ووجاهي .وهذا مما يقوي القول المروي عن مسروق .وقد قال الطبري: إنه الأولى بالصواب .وقد يكون إسلام عبد الله بن سلام أو بعض مواقفه قد ذكر في مجلس من المجالس وتليت الآية فالتبس الأمر على الرواة وظنوها نزلت فيه .ولسنا نرى القول الذي ذكره البغوي بأن الشاهد هو موسى عليه السلام متسقا مع فحوى الآية إذا ما تمعن فيها ؛لأنها تفيد أن هناك شهادة عيانية وإيمانا واقعيا من إسرائيلي في ظروف نزولها وبهذا فقط تلزم الحجة المتوخاة منها للكفار .وهذا كله يجعلنا نعتقد أن الآية بسبيل ذكر حدوث تلك الشهادة والإيمان في مكة على علم ومسمع من الكفار ،ولقد كانت الصلات وثيقة بين مكة والمدينة التي كان فيها جالية كبيرة من الإسرائيليين ،ومن المعقول أن يكون بعضهم قد تسلل إلى مكة وأقام فيها أو على الأقل أن يكون بعضهم يتردد عليها للتجارة وغير ذلك من الشؤون .ولقد تكرر استشهاد الآيات المكية بأهل الكتاب وأهل العلم إطلاقا وتكرر تقرير كونهم كانوا يشهدون بأن القرآن منزل من الله ويؤمنون به مما مرت منه أمثلة عديدة وليس من مانع من أن يكون من هؤلاء إسرائيليون .وهذا يمكن أن يقال بشيء من الجزم إن الآية تسجل إيمان إسرائيلي بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم بصراحة في العهد المكي والله تعالى أعلم .