قوله تعالى:{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} .
جواب الشرط في هذه الآية محذوف .
وأظهر الأقوال في تقديره إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به ،وجحدتموه فأنتم ضلال ظالمون .وكون جزاء الشرط في هذه الآية كونهم ضالين ظالمين بينه قوله تعالى في آخر فصلت:{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [ فصلت: 52] ،وقوله في آية الأحقاف هذه{فَأمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
وقال أبو حيان في البحر: مفعولاً أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما .
والتقدير: أرأيتم حالكم ،إن كان كذا ألستم ظالمين .
فالأول حالكم ،والثاني ألستم ظالمين ،وجواب الشرط محذوف أي فقد ظلمتم .
ولذلك جاء فعل الشرط ماضياً .
وبعض العلماء يقول: إن{أَرَءَيْتُمْ} بمعنى أخبروني .والعلم عند الله تعالى .قوله تعالى:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إسرائيل عَلَى مِثْلِهِ} .
التحقيق: إن شاء الله ،أن هذه الآية الكريمة جارية على أسلوب عربي معروف ،وهو إطلاق المثل ،على الذات نفسها ،كقولهم: مثلك ،لا يفعل هذا ،يعنون لا ينبغي لك أنت أن تفعله .
وعلى هذا فالمعنى ،وشهد شاهد من بني إسرائيل على أن هذا القرآن ،وحي منزل حقاً من عند الله ،لا أنه شهد على شيء آخر مماثل له .
ولذا قال تعالى{فَأمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} .
ومما يوضح هذا ،تكرر إطلاق المثل في القرآن مراداً به الذات كقوله تعالى{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [ الأنعام: 122] الآية .
فقوله: كمن مثله في الظلمات ،أي كمن هو نفسه في الظلمات ،وقوله تعالى{فَإِنْ ءَامَنُواْ بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} [ البقرة: 137] أي فإن آمنوا بما آمنتم به لا بشيء آخر مماثل له على التحقيق .
ويستأنس له بالقراءة المروية عن ابن عباس وابن مسعود{فَإِنْ ءامَنُواْ بِمَا آمنتم بِهِ} الآية .
القول بأن لفظة ما في الآية مصدرية ،وأن المراد تشبيه الإيمان بالإيمان ،أي فإن آمنوا بإيمان مثل إيمانكم فقد اهتدوا لا يخفى بعده .
والشاهد في الآية هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه كما قال الجمهور ،وعليه فهذه الآية مدنية في سورة مكية .
وقيل: إن الشاهد موسى بن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ،وقيل غير ذلك .