{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 11 )} ( 11 ) .
تعليق على الآية
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ...................} الخ
وما فيها من تلقين
عبارة الآية واضحة .وقد احتوت خطابا للمؤمنين تذكرهم فيه بما كان من نعمة الله عليهم ورعايته لهم ،حينما هم قوم أن يعتدوا عليهم فصرفهم عنهم ،وانتهت بالأمر بتقوى الله ودعوة إلى الاتكال عليه .
وقد روى الطبري من طرق عديدة وبصيغ مختلفة أن الآية نزلت في مناسبة ما كان من يهود بني النضير من التآمر على اغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما ذهب إليهم للاستعانة بهم على دية بعض القتلى حسب العهد الذي بينه وبينهم .وروى في الوقت نفسه أنها في صدد ما تعرض له النبي والمسلمون من كسرة أمام الكفار يوم وقعة ( بطن نخلة ) أو تآمر من بعضهم على قتله .وقد نزل عليه جبريل وأخبره بذلك حتى صلوا صلاة الخوف .وروى أيضا أنها في صدد ما كان من أعرابي من نية غدر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما رآه تحت شجرة وهو في غرة أثناء هذه الوقعة ؛حيث عمد الأعرابي إلى سيف النبي المعلق فأخذه وقال له: من يمنعك مني ؟فقال: الله .ولم يلبث أن شلت يده ،وسقط السيف من يده .وجاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على هذه الحالة ،وأرادوا الفتك به ،فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأطلقه .وعلى ما ذكره ابن سعد وابن هشام أيضا ( 1 ){[803]} . ويروي الطبري رواية أخرى مفادها: أن الحادث هو محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل شخص أرسلته قريش بعد وقعة بدر التي كانت في السنة الثانية للهجرة .والمفسرون الآخرون أوردو ا بدورهم هذه الروايات .
ويلحظ أن الروايات تروي أحداثا وقعت في السنة الثانية للهجرة والآيات على ما يلهمه السياق نزلت بعد وقعتي الحديبية وخيبر .ولقد روي أن بعض خيالة قريش أرادوا أن يأخذوا المسلمين على غرة في الحديبية كما روي أن قبائل غطفان وأسد تجمعوا لغزو المدينة أثناء رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين إلى الحديبية على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة الفتح التي سبق تفسيرها قبل هذه السورة فكف الله أيديهم ؛حيث يرد بالبال أن الآية بسبيل التذكير بمثل هذا الحادث القريب .ولعله الحادث الأول ؛لأن روايته أوثق .
ويلحظ كذلك شيء من الانسجام بين الآية والآيات الثلاث السابقة لها بحيث يتبادر أنها نزلت معها على سبيل توكيد الله ومراقبته .وأن ما احتوته من إشارة إنما كانت على سبيل التذكير في موقف يؤمر المسلمون فيه بتقوى الله والتزام حدوده .
ولقد انتهت الآية بالتنبيه إلى أن على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويعتمدوا عليه فهو كافيهم ومنجيهم من الأخطار .ومثل هذا تكرر كثيرا في الآيات المكية والمدنية لما في ذلك من معالجة روحية وبث للقوة المعنوية في المسلمين لمواجهة ما كانوا يتعرضون له من أخطار ومواقف محرجة .وتلقينها مستمر المدى للمسلمين في كل ظرف ومكان بطبيعة الحال على ما شرحناه شرحا وافيا في إحدى المناسبات السابقة .